للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذًا لا ينبغي الخروج عن حكم العزيمة مع عوارض المشقات التي لا تطرد ولا تدوم، لأن ذلك أيضا جار في العوائد الدنيوية، ولم يخرجها عن أن تكون عادية. فصار عارض المشقة إذا لم يكن كثيرًا ودائمًا فلا يدعو إلى الخروج عن الأصل (١) . قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦] . فإن المترخص في هذه الأحوال على الإطلاق يكون كالمضاد لما قصده الشارع من تكميل للعزيمة.

خامسها: أن الترخص إذا أخذ به في موارده على الإطلاق كان ذريعة إلى انحلال عزائم المكلف في التعبد على الإطلاق، فأما إذا أخذ بالعزيمة كان حريا بالثبات في التعبد والأخذ بالحزم فيه؛ وهذا مشاهد محسوس لا يحتاج إلى إقامة دليل. فإذا اعتاد الترخص صارت كل عزيمة بالنسبة إليه شاقة حرجة، وإذا صارت كذلك لم يقم بها حق قيامها، وطلب الطريق إلى الخروج منها (٢) .

ويظهر أن هذه المسائل التي رجح بها الشاطبي الأخذ بالعزائم على الأخذ بالرخص هي في الواقع راجعة إلى مبحث الاحتياط أو الأخذ بالأحوط التي تكون موضع شك المكلف، وهو مبحث أصولي هام، له اتصال بمسائل الحلال والحرام، وقواعد الذرائع والحيل، تناوله ابن حزم في كتابه الإحكام " (٣) . وتعرض إليه ابن القيم في فوائده (٤) كما تعرض إليه بتفصيل الشيخ صالح بن حميد في كتابه " رفع الحرج " وبين فيه كل مجالات الاحتياط، وأفرده بفصل سماه: رفع الحرج والاحتياط (٥) .


(١) الموافقات: ١ / ٢٢٢ – ٢٢٤.
(٢) الموافقات: ١ / ٢٢٤.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: ٦ / ١٦٢.
(٤) بدائع الفوائد: ٣ / ٢٥٧ و ٢٧٩.
(٥) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية: ص ٣٢٩ – ٣٤٦، الرخص الفقهية في القرآن والسنة: ص ٦٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>