للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعها: أن مقصود الشارع من مشروعية الرخصة: الرفق بالمكلف عن تحمل المشاق. فالأخذ بها مطلقًا موافقة لقصده، بخلاف الأخذ بالعزائم فإنه مظنة التشديد والتكلف والتصلب، وقد تقدم ما ورد من وعيد ونهي عن هذه الصفات في كتاب الله وفي سنة نبيه.

روي عن ابن عباس في قصة بقرة بني إسرائيل: ((لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم)) (١) .

وفي الحديث ((هلك المتنطعون)) (٢) . ((ونهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل، وقال: من رغب عن سنتي فليس مني)) (٣) بسبب من عزموا على صيام النهار وقيام الليل واعتزال النساء.

خامسها: أن ترك الترخص مع ظن سببه قد يؤدي إلى الانقطاع والسآمة والملل والتنفير من الدخول في العبادة وكراهية العمل وترك الدوام عليه. فالإنسان إذا توهم التشديد أو طلب منه، كره ذلك ومله، وربما عجز عنه في بعض الأوقات، فإذا لم يفتح له باب الرخص، وسد عنه ما سوى ذلك عد الشريعة شاقة، وربما ساء ظنه بما تدل عليه دلائل رفع الحرج، خاصة وقد قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧] ألا يكون تجنب العنت مرجحًا للترخص (٤) .

ويظهر أن الترجيح لجانب العزيمة أو لجانب الرخصة لا ينبغي أن ينظر فيه إلى ذات العزيمة أو ذات الرخصة، وإنما ينظر فيه إلى المكلفين الذين ستطبق هذه الأحكام عليهم أو سيطبقونها من تلقاء أنفسهم، فينبغي أن لا تخرج عن مرتبتي العزيمة والرخصة، ولكل من المرتبتين في حال مباشرة الأعمال رجال، من قوي منهم خوطب بالتشديد والالتزام بالعزائم، ومن ضعف منهم خوطب بالرخصة (٥) .


(١) قال الآلوسي في تفسيره: ١ / ٢٣٨: أخرجه ابن جرير بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا – وأخرجه سعيد بن منصور في سند عن عكرمة، مرفوعًا مرسلاً.
(٢) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن مسعود.
(٣) رواه الشيخان والنسائي (وهذا الجزء من آخر حديث الثلاثة الذين سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقالوها) .
(٤) الموافقات: ١ / ٢٣٣.
(٥) كشف الغمة عن جميع الأمة: ١ / ١٠٨ – ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>