للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك لا يجزئه التيمم ولا يجوز له أكل الميتة، وفي المسح على الخف خلاف، وإن وجد ماء لكن لا يكفي للشرب والوضوء، لزمه الوضوء، لأن السفر من أجل معصية فلا يجزئه فيه التيمم، ولا يقدم عليه في هذه الحالة الشرب، وتحرم عليه الميتة للضرورة، لأنه بإمكانه الاستغناء عن هذا السفر بالتوبة، ووقع الخلاف في المسح على الخف للخلاف الواقع في استعماله في الحضر أو عدم جواز استعماله، عزا السيوطي للإصطخري فقال: إن العاصي بالإقامة لا يستحق منها شيئا، والمسافر لارتكاب معصية لا يسمح له بشيء منها، وقال السيوطي: " إن الرخص لا تناط بالمعاصي، ومعناه إن فعل الرخصة يتوقف على وجود شيء، ولذا كلما حصلت المشقة من العزيمة يجب أن ينظر في الوضع الذي حصلت منه المشقة، فإن كان مباحًا أو مندوبًا أو واجبًا، كان استعمال الرخصة جائزًا أيضا ومباحًا، وحتى واجبًا، وإن ظهرت شبهة في العمل الذي من أجله حصلت المشقة تبين من خلالها أن هذا العمل حرام، امتنع على المكلف استعمال الرخصة بسبب ذلك العمل؛ كمسافر بمال غصبه، والناشز والمسافر للمكس، ونحو عاص بالسفر، فالسفر نفسه معصية، والرخصة منوطة به مع دوامه، ومعلقة ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب فلا يباح، ويلحق بهذا أيضا أن الرخص لا تناط بالشك (١) .

فلو عرف الجميع الأحكام الواجبة عليه، لأصبح مدركًا متى تكون الرخصة مباحة تخييرية، أو حرامًا أو حتى واجبة، عند توفر بعض الحالات.

فهي مباحة والمكلف مخير بين الأخذ بها أو عدمه، عند الشعور بالمشقة أما إذا تسبب استعمالها في المضرة المؤدية إلى الهلاك، فحينئذ تنقلب الرخصة إلى عزيمة، ويصبح العمل بها واجبًا، وتركها حرام يعاقب عليه، فإذا امتنع المكلف من أكل الميتة حتى أشرف على الهلاك أصبح الترخيص الحاصل له بسبب مشقة تحمل الجوع عزيمة يجب عليه العمل بها حتى ينقذ النفس، وإن امتنع أصبح قاتل النفس.

من خلال ما سبق تكون الرخصة من نعم الله على عباده تخرجهم من المشقة وتمكنهم من تجنب المضرة إن كان تطبيق العزيمة سينزلها بهم، فتدخل في المباح تارة إلى أن تصل إلى الواجب لإنقاذ النفس، كما يحرم استعمالها والأخذ بها دون تحقق الشروط، ويبقى الأمر فيها موكولاً لضمير المسلم وإحساسه، وهو ما يتطلب التربية الإسلامية الحقة والسلوك المستقيم، كما يحتم يقظة أولي الأمر حتى لا تنتهك العزائم بخلق المبررات الكاذبة لاتباع رخص أجيزت لأسباب وعلل معينة والله الموفق للصواب.

الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين


(١) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٣٩ دون اتباع ألفاظه

<<  <  ج: ص:  >  >>