للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة

إن تطبيق العزائم والأخذ بالرخص استثناء منها عند حصول المشقة المفضية إلى المضرة، كلاهما إن اتبع حسب شروطه وعلله وفق مراد الشريعة، كان ذلك مصدرًا لتهذيب النفوس وتطهيرها من رجس الأوثان واتباع الهوى والإدمان على فعل المحرمات، التي تفشت في كثير من المجتمعات الإسلامية، دون حتى ترك الفرصة لاستنكارها، مما جعل تطبيق العزائم في بعضها لا يثير الاستخفاف به أية معارضة، بل أصبحت الرخص هي الأصل عند البعض علمًا بأن الأخذ بالرخصة عند توفر شروطها، ليس فيه أي مطعن، فإذا خلصت النية للطاعة وتمكنت التربية الإسلامية من النفس، وكان استعمال الرخصة مستندًا على مبرراته الشرعية وغير مستعمل إلا في الحدود التي تجنب المكلف إجهادًا يضر بنفسه أو ماله، كان استعمالها جائزًا، أما إذا كان العكس وهو السائد اليوم مع الأسف وهو الاستخفاف بتعاليم الإسلام، والتساهل في كل العزائم، أصبحت الرخصة مستعملة، دون تقيد بضوابطها الشرعية، فأصبحنا أمام مخالفات شرعية، استخدم أصحابها حيلاً على النصوص الشرعية، ستجلب لهم عقاب الآخرة، ولو كانت أحكام الشرعية مطبقة، في كثير من البلاد الإسلامية، لأنزلت بهم التعازير والحدود المنصوص عليها لكل حالة.

فكم من مسافر إليهم يقصد هوى النفس، والتهرب من صيام شهر رمضان فيقصر صلاته ويفطر نهاره، ويوهم الناس بسفر، والأجدر أن يعاقب على السفر، ويضرب لترك الصلاة بالتعمد على قصرها، ويلزم بالكفارة لتعمد الفطر في رمضان.

وكم من مصل تيمم ولم يجرب هل يضره الماء أم لا، وكم من منتهك حقوق الناس في أموالهم مدعيًا الاضطرار وهو غير مضطر.

ومن هنا فالرخص حظ العباد من لطف الله فلا يمكن لأي أحد أن يمنعهم من ذلك الحظ الذي أنعم به الخالق عليهم، والعزائم حق الله على العباد فلا يمكنهم التهرب منه، وإلا عرضوا أنفسهم لعقابه، الذي لا يمكنهم التهرب منه، إذا لم يغفر لهم.

وبناء على هذا يمكن القول بأن الرخص اليوم اتسع مجالها، وكثرت المضار والمشاق المستوجبة لها ولا يمكن لأحد أن يسد على العباد حظهم من لطف الله، ولكن أيضا كثر أتباعها، دون المشقة المفضية إليها، بسبب انعدام التربية الإسلامية وغياب كثير من معرفة أحكامها، فليوضح العلماء أحكام الرخصة ومتى تطلب، ومتى يقع التخيير في شأنها، وما هو الأفضل للمكلف في كل حالة، ثم ضرورة المزيد من تعليم أحكام الحلال والحرام والواجب والمندوب والمباح للطلبة في جميع مؤسسات التعليم في العالم الإسلامي، حتى يعد المسلم العارف بأحكام دينه، ليسهل عليه تطبيق العزيمة أو اتباع الرخصة.

إن ما يشاهد اليوم في كثير من التجاوزات يعد مخالفات وليس أخذًا بالرخص.. ونختم هذا الموضوع بما جاء في الأشباه والنظائر حيث قال: الرخص لا تناط بالمعاصي، ومن ثم فلا يستفيد المسافر سفر معصية من رخصة قصر الصلاة، وفطر رمضان، لأن هذه الرخصة شرعت لرفع الحرج والتسهيل والتيسير في العبادة ولا يمكن استعمالها في غير ذلك، فإذا ما سافر إنسان من أجل أن ينهب مال آخر في مكان بينهما مسافة قصر، ثم قصر صلاته، وأفطر في رمضان عد مرتكب الإخلال بتمام الصلاة، وصلاته باطلة لنقص نصفها، وإن أفطر وجبت عليه الكفارة، لأن فطره غير مستند على عذر شرعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>