للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع – هل الأفضل الأخذ ب العزيمة أم الرخصة؟

الجواب على هذا السؤال فيه أقوال كثيرة منها أن الأخذ بالعزيمة ليس بأولى من الأخذ بالرخصة من أوجه هي:

١- إذا كان أصل العزيمة قطعيا، فإن أصل الترخص قطعي أيضا، لأن الشارع أجرى الظن في كثير من الحالات مجرى القطع.

٢- أصل الرخصة إن كان جزئيا بالإضافة إلى عزيمة فذلك غير قادح في جواز الرخصة والعمل بها.

٣- رفع الحرج عن الأمة بلغ مبلغ القطع لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] .

٤- أخذ المكلف بالرخصة يكون تطبيقًا لقصد الشارع الرامي إلى رفع الحرج والرفق بالمكلف، وتؤيد ذلك آيات كثيرة منها ما تقدم، ومنها: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] ، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الرخص ليسن تلك السنة لأمته عليه الصلاة والسلام.

٥- رأى بعض العلماء أن ترك الترخص مع ظن سببه قد يؤدي إلى الانقطاع عن الاستباق إلى الخير، ويجر السآمة والملل والتنفير من الدخول في العبادة، وكراهية العمل وترك الدوام.

٦- إن مراسيم الشريعة وإن أتت مخالفة للهوى، فإنها أيضا أتت لمصالح العباد في دينهم ودنياهم، والهوى يكون مذمومًا حالة مخالفته للشريعة.

وعلى هذا اعتبرت العزائم مطردة مع العادات الجارية، والرخص جارية عند انخراق تلك العوائد.

ولأبي محمد عز الدين بن عبد السلام السلمي في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام، قال: الضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلبًا لمصالحها، والجنايات مناسبة لجلب العقوبات درءًا لمفاسدها، والنجاسات مناسبة لاجتناب وجودها ولا مناسبة بين طهارة الأحداث، وأسبابها.

وتحت عنوان: فصل ما يتدارك إذا فات بعذر، أشار إلى أن الضابط أن اختلال الشرائط والأركان إذا وقع لضرورة أو حاجة لا مفر منها، وأقام بالواجب مع اختلال بعض شروطه، فلا قضاء عليه، كالصلاة في قوم كلهم عراة، لما في الاستتار من المشقة فبسبب مشقة عدم الحصول على الثياب تولدت رخصة الصلاة على تلك الهيئة، وهذا ينطبق حسب رأيه على كل مشقة استحال تفاديها، فإنها تستجلب العذر، الذي يفضي إلى جواز استعمال الرخصة.

ومن هذه النظريات يستخلص أن الأخذ ب العزيمة أفضل إذا لم تجر إلى المشقة الفادحة، واتباع الرخصة أفضل إن حصلت المضرة للمال والنفس، على أن المرء في كل ذلك هو فقيه نفسه، لأنه أعلم – بقرارة نفسه – بما يحصل له من مشقة تأدية العزيمة، وعليه أن لا يتهرب ولا يخادع، لأن التعامل مع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

<<  <  ج: ص:  >  >>