للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان لموضوع التلفيق صلة بمسألة جواز التقليد أو منعه وكذلك بمسألة جواز التزام مذهب معين وعدمه؛ فكثيرًا ما يخلط العلماء بين موضوع التلفيق وبين موضوع تتبع الرخص حتى إن بعضهم ليمثل لهما بنفس الأمثلة ويعطيهما نفس الحكم (١) .

ولكن لا يخفى أن التلفيق الذي تقدم تعريفه لا يدخل في الخلاف؛ أعني أن يلفق في قضية واحدة بين قولين أو أكثر فيتولد منهما – أو منها – حقيقة مركبة لا يقول بها أحد، كمن توضأ فمسح بعض رأسه مقلدًا للإمام الشافعي الذي يجتزئ بذلك، ثم بعد وضوئه لمس امرأة أجنبية مقلدًا للإمام أبي حنيفة في عدم نقضه الوضوء بذلك، فإن وضوءه على هذه الهيئة حقيقة مركبة لم يقل بها كلا الإمامين.

ولا شك في بطلان هذا النوع من التلفيق لأنه يفضي إلى محظور في الشرع، أما إذا قصدنا من التلفيق تتبع المذاهب في جزئيات المسائل فإن العلماء اختلفوا في ذلك فمن أجاز التقليد وأوجب الالتزام بمذهب معين منع التلفيق، ومن لم يوجبه جوز التلفيق.

وبعض العلماء جوز التلفيق بشروط هي:

ألا يخالف الإجماع أو القواعد الشرعية أو النص أو القياس الجلي.

فكل ما خالف ذلك وأدى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على حكمتها ومصالحها فهو محظور.

والذي نراه في هذا الموضوع جواز تتبع الرخص والتلفيق بين الأحكام الشرعية بالشروط المذكورة، وإذا كان الاجتهاد جماعيا كالذي يجري في مجمعنا الفقهي هذا وما شابهه من المجامع التي يبحث فيها علماء معتمدون لحل قضايا الأمة وخاصة في هذا العصر المعقد الحافل بالمسائل والقضايا المتجددة في المجتمع من جميع مجالات الحياة، وهذا الذي يتمشى مع شريعتنا السمحة التي تهدف دائما إلى تحقيق مصالح العباد، لذلك نرى فيها دائما ملحظًا للعصر والبيئة والعرف.

وهذا المذهب هو اختيار كثير من فقهائنا المعاصرين إما بالتصريح وإما من خلال أعمالهم العلمية، يقول الأستاذ فرج السنهوري: " ولم يلتزم واضعو قانون الوقف أحكام المذاهب الأربعة ولا أحكام مذهب معين، وأخذوا من كل مذهب ما تبينوا أن الحاجة ماسة إلى الأخذ به، وإذا كانت أحكام هذا القانون قد كونت مزيجًا فقهيا لا نجده في مذهب من هذه المذاهب فإن ذلك نتيجة حتمية للتخير من هذه المذاهب، لكنك لا تجد حكمًا منها غريبًا عن الفقه الإسلامي، ولا يعدو أي حكم منها أن يكون قولاً قال به إمام من أئمة المسلمين، أو رأيا قال به فقيه يعتد به أو يكون مركبًا من هذه الأقوال والآراء " (٢) .

وبهذا الكلام الشامل الجامع تم هذا البحث. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الدكتور أبو بكر دوكوري


(١) راجع أصول الأحكام للدكتور حمد الكبيسي ص٢.
(٢) راجع أصول الأحكام لأستاذنا الدكتور حمد بن عبيد الكبيسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>