للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهب الثالث – التفصيل:

وهذا المذهب يقوم على جواز تتبع الرخص ولكن ليس بإطلاق وإنما في حالة توفر بعض الشروط:

١- ألا يكون الدافع إلى ذلك مجرد التشهي والتلهي واتباع الهوى.

٢- ألا يؤدي إلى ترك العزائم بحيث يخرج المكلف عن ربقة التكليف الذي هو إلزام ما فيه كلفة.

٣- أن يكون اتبع في المسألة المدونة المجتهدين الذين استقر الإجماع عليهم دون غيرهم.

٤- ألا يكون التتبع موقعًا في أمر يجمع على إبطاله إمامه الأول وإمامه الثاني كما ذكره الإمام القرافي المالكي (١) .

مسألة التلفيق بين المذاهب:

التلفيق في اللغة: هو ضم شيء إلى آخر تقول: لفقت الثوب ألفقه لفقًا وهو أن تضم شقته إلى أخرى فتخيطهما (٢) .

أما في اصطلاح الأصوليين: فهو تركيب مسألة من مذهبين أو أكثر ويكون في جزئيات المسائل، وفي أجزاء الحكم الواحد.

فالأول جائز على الراجح، والثاني محظور باتفاق العلماء وفيه يقول ابن عابدين: " وإن الحكم الملفق باطل بالإجماع؛ مثاله: متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى فإن صلاته ملفقة من المذهب الشافعي والحنفي والتلفيق باطل فصحته منتفية " (٣) .

أما تتبع المذاهب في جزئيات المسائل فإن ابن عابدين لا يرى مانعًا منه وفي ذلك يقول: " أما لو صلى يومًا على مذهب وأراد أن يصلي يومًا آخر على غيره فلا يمنع منه فيحصل مما ذكرنا أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له أن يعمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدًا فيه غير إمامه مستجمعًا شروطه ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينتقض.

بل ذهب ابن عابدين إلى أبعد من ذلك في أمر الانتقال من مذهب إلى مذهب فأجاز بعض العمل إذا لم يؤد إلى نقضه كما إذا صلى ظانا صحتها على مذهبه ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلاة " (٤) .


(١) راجع هذه المسألة في الكتب التالية: الحاوي للفتاوى للسيوطي ١ /٢٩٦، وحاشية العطار على جمع الجوامع ٢ /٤٢٢، وشرح تنقيح الفصول ٤٣٢.
(٢) راجع لسان العرب ٣ /٣٨٢ والقاموس المحيط ٣ /٣٨١.
(٣) راجع حاشية ابن عابدين ١ /٧٧.
(٤) راجع حاشية ابن عابدين ١ /٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>