للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير من العلماء استدل بإحدى روايتي أحمد بعدم تفسيق متتبع الرخص في منع الإجماع الذي ذكره ابن عبد البر في تحريم تتبع الرخص، ولا يخفى ما فيه، إذ لا يلزم من عدم التفسيق القول بالجواز، فالأولى عندي منع هذا الإجماع بأقوال العلماء المصرحين بالجواز والله أعلم.

ومن أدلة هذا المذهب – أعني مذهب المنع – أنه يلزم على تقدير الأخذ بكل مذهب احتمال الوقوع في خلاف المجمع عليه، إذ ربما يكون المجموع الذي عمل به مما لم يقل به أحد فيكون باطلاً إجماعًا، كمن تزوج امرأة بلا صداق اتباعا لقول الإمامين أبي حنيفة والشافعي وبلا شهود اتباعًا لقول الإمام مالك وبلا ولي اتباعًا للإمام أبي حنيفة؛ فهذا النكاح باطل اتفاقًا.

وأجيب بأن هذا مندفع لعدم اتحاد المسألة، والإجماع على تحريم القول الثالث إنما يكون في حالة اتحاد المسألة حقيقة أو حكمًا (١) .

أقول وهذا مثال للتلفيق الذي سيأتي حكمه قريبا.

وقد بالغ الإمام الشاطبي في إنكار تتبع الرخص لما يترتب عليه من المفاسد فقال في الموافقات: " وقد أذكر في هذا المعني جملة مما في اتباع رخص المذاهب من المفاسد سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين؛ إذ يصير بهذا الاعتبار سيالاً لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم، لأن الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها " (٢) .


(١) راجع فواتح الرحموت ٢ /٤٠٧.
(٢) راجع الموافقات ٤ /٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>