للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتخرج على القول بجواز الانتقال وأنه لا يجب عليه الاستمرار على مذهب إمامه جواز اتباعه رخص المذاهب، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:

المذاهب الأول – الجواز:

وقد اختار هذا المذهب بعض الأحناف (١) قال في فتح القدير: " ولا يمنع منه – أي تتبع الرخص – مانع شرعي؛ إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل بأن لم يظهر من الشرع المنع والتحريم، وكان عليه الصلاة والسلام يحب ما خف عليهم (٢) " أي على أمته.

وقد نسب ابن السبكي الجواز كذلك إلى ابن إسحاق المروزي (٣) ، وهذا يتعارض مع ما نسب إليه من قوله أن متتبع الرخص يفسق بذلك كما سيأتي (٤) .

قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: " وللعامي أن يعمل برخص المذاهب وإنكار ذلك جهل ممن أنكره لأن الأخذ بالرخص محبوب ودين الله يسر وما جعل عليكم في الدين من حرج " (٥) ولكن قد ورد عنه ما يدل على أن هذا الكلام ليس على إطلاقه فقد قال: إنه ينظر في الفعل الذي فعله فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم وإلا لم يأثم (٦) .

وبعد التحقيق يظهر أن هذا التفصيل يعتبر تحصيل حاصل إذا لا يتصور من عالم مسلم القول بجواز تتبع الرخص فيما يشتهر تحريمه في الشرع.

المذهب الثاني – المنع منه مطلقًا:

نقل عن ابن عبد البر قوله:" إنه لا يجوز تتبع الرخص إجماعا " (٧) وقيل: إن دعوى الإجماع لا تصح لأنه قد نقل عن الإمام أحمد روايتان في تفسيق متتبع الرخص، وممن فسقه كذلك أبو إسحاق المروزي (٨) وقال ابن أبي هريرة (٩) : " لا يفسق لأنه متأول " (١٠) .

وقد تبين من هذا أنه لا إجماع ولعل رواية التفسيق إنما هو فيما إذا قصد من تتبع الرخص التلهي فقط وخص بعض الحنابلة التفسيق في حق المجتهدين الذي لم يؤد اجتهاده إلي الرخصة. (١١) .


(١) الكمال ابن الهمام وابن أمير الحاج راجع التحرير ٣/ ٣٥٠، وحاشية العطار على جمع الجوامع ٢/ ٤٤٢.
(٢) راجع فواتح الرحموت ٢ /٤٠٦.
(٣) راجع جمع الجوامع مع شرح المحلى ٢ /٤٠٠ وأبو إسحاق المروزي هو إبراهيم بن أحمد بن إسحاق فقيه كبير من أصحاب المزني ومن مؤلفاته " الفصول في معرفة الأصول " توفي بمصر سنة ٣٤٠ هـ، راجع ترجمته في وفيات الأعيان ١/ ٤ ومعجم المؤلفين ١ /٣.
(٤) راجع إرشاد الفحول ص ٢٧٢.
(٥) راجع فتح العلي المالك لمحمد عليش مفتي المالكية في مصر ١/ ٧٨.
(٦) راجع إرشاد الفحول ص ٢٧٢.
(٧) راجع فواتح الرحموت ٢ /٤٠٦.
(٨) راجع إرشاد الفحول ص ٢٧٢
(٩) هو أبو علي الحسن بن الحسين البغدادي المعروف بابن أبي هريرة، درس في بغداد وتخرج عليه خلق كثير منهم الدارقطني، توفي سنة ٣٤٥ هـ، راجع ترجمته في وفيات الأعيان ١ /١٦١.
(١٠) راجع إرشاد الفحول ص ٢٧٢.
(١١) راجع المصدر السابق ص٢٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>