للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم تتبع الرخص:

الرخصة هنا يقصد بها المعنى اللغوي الذي هو السهولة، وهو أعم من المعنى الاصطلاحي للرخصة (١) .

فالرخصة المعروفة عند الأصوليين والمقابلة للعزيمة فلا خلاف في حكمها لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية فلا يسع أحدًا إنكارها إذا تحققت دواعيها، فيكون المقصود في هذه المسألة تتبع رخص المذاهب الاجتهادية بأن يختار الإنسان من أقوال الفقهاء المجتهدين في كل مسألة ما يكون أخف وأيسر عليه ولا يتقيد بمذهب إمام من الأئمة المعروفين.

وهذه المسألة تنبني على القول بجواز الأخذ بقول غير إمامه في مسألة من المسائل وذلك إذا كان له إمام والتزم بمذهبه.

فقد اختلف العلماء في ذلك فقال قوم بجوازه لأن التزامه لمذهب معين غير ملزم له، وممن اختار جواز الانتقال مطلقا الإمام السيوطي (٢) وابن القيم الجوزية حيث قال: " ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دون غيره " (٣) .

وذهب علماء آخرون إلى المنع من ذلك لأن المذهب يكون لازمًا له بعد التزامه له.

والمذهب الثالث في هذه المسألة: التفصيل؛ أي إذا اتصل عمل المكلف في مسألة بمذهب إمامه الأول فليس له تقليد الغير فيها وإن لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غير إمامه فيها وهذا التفصيل اختاره كثير من العلماء بما فيهم الآمدي (٤) .

وشرط القرافي في تقليد مذهب غير إمامه ألا يكون موقعًا في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه والإمام الذي انتقل إلى مذهبه فمن قلد مالكًا مثلاً في كون اللمس الخالي عن الشهوة لا ينقض الوضوء وقلد الشافعي في عدم فرضية دلك أعضاء الوضوء والغسل فإنه إذا توضأ ولمس امرأة بلا شهوة وصلى فإنه صلاته تصح عند مالك إذ كان قد دلك أعضاء الوضوء وإن لم يدلك فصلاته باطلة عند كل من الإمام مالك والشافعي (٥) .

وبعض العلماء جوز الانتقال إلى مذهب غير إمامه إذا كان أحوط من مذهب إمامه أو كان دليله قويًّا راجحًا (٦) .


(١) راجع حاشبة البناني ٢ /٤٠٠.
(٢) راجع كتابه الحاوي للفتاوى ١ /٢٩٦
(٣) راجع إعلام الموقعين ٤ /٢٣١.
(٤) راجع الإحكام للآمدي ٣ /١٧٤، ومنتهى السول في علم الأصول له أيضا ص ٧٢.
(٥) راجع نهاية السول مع الإبهاج ٣ /١٩٠ – ١٩١.
(٦) راجع تيسير التحرير ٤ /٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>