للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضوابط العمل بالرخصة

إذا تقرر أن حكم الرخصة جواز العمل بها في موضع الجواز، وأن المكلف مخير في هذه الحالة بين الأخذ بالرخصة والأخذ بالعزيمة؛ إذن فما هي ضوابط العمل بالرخصة؟

فقد أجاب الإمام الشاطبي على هذا السؤال بما يشفي الغليل؛ ويعتبر معيارًا دقيقا ينبغي أن يعول عليه كل من أراد الترخص حيث قال: " إن الرخصة إضافية لا أصلية، بمعنى أن كل أحد في الأخذ بها فقيه نفسه ما لم يوجد فيها حد شرعي فيوقف عنده " (١) .

وتوضيح ذلك أن سبب الرخصة المشقة، ومعلوم أن المشقات تختلف قوة وضعفًا، وتختلف بحسب الأحوال والأزمان والأعمال كما تختلف بحسب قوة العزائم وضعفها، فمثلا: إن سفر الإنسان في زمن الشتاء حيث يكون النهار قصيرًا وبدون حرارة، ويكون السفر في أرض مأمونة ويكون مع المسافر رفقة مأمونة كذلك وبمركب مريح فإن هذا السفر لا يكون كالسفر على الضد من ذلك في الفطر والقصر.

وكذلك فإن الناس ليسوا على درجة واحدة في الصبر وتحمل الشدائد فقد يقوى إنسان على تحمل ما لا يقوى غيره عليه فعلمنا أن المشقة المعتبرة في التخفيفات ليس بها ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد في جميع الناس، ولذلك أقام الشرع في جملة من الرخص السبب مقام العلة، فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان وجود المشقة، وترك كل مكلف على ما يجد إن قصر أو أفطر في السفر، وترك كثيرًا منها موكولا إلى الاجتهاد كالمرض، وكثير من الناس يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه غيره فتكون الرخصة مشروعة بالنسبة إلى أحد الرجلين دون الآخر.

إذن فليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي ولا ضابط مأخوذ باليد بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه " (٢) .

وبهذا نجد أن الشاطبي قد أناط الحكم في الترخص إلى اجتهاد المترخص لأنه أدرى بحاله فدينه وفقهه يمنعانه من الترخص إلا إذا اطمأن قلبه وأيقن أنه أهل للترخص.


(١) راجع الموافقات ٢ /٢١٣.
(٢) راجع الموافقات ٢ /٢١٣ – ٢١٤ بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>