للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيع السلم هو البيع الذي يكون فيه الثمن معجلاً (= مسلفا) والمبيع مؤجلاً، مثل بيع طن من قمح موصوف يسلم بعد سنة، ويدفع ثمنه الآن.

فها هنا إذا عدل المشتري دفع العربون إلى البائع الذي قبض الثمن، ولم يكن هناك ربا ولا شبهة الربا.

أما إذا عدل البائع ودفع العربون إلى المشتري، كان هناك شبهة ربًا فالبائع الذي قبض ثمن المبيع معجلاً ١٠٠٠ ريال مثلاً، يعدل عن المبيع ويدفع إلى المشتري، بعد ثلاثة أيام مثلاً ١٠٠ ريال، فكأنه استلف ١٠٠٠ ريال، لمدة ثلاثة أيام، بربًا قدره ١٠٠ ريال.

إذا وقعت هذه الصورة بدون اتفاق أو تواطؤ مسبق على العدول فلا يجيزها إلا الشافعية، وتمنعها المذاهب الثلاثة الأخرى، سدًّا لذريعة الربا فحكم هذه الصورة هو حكم العينة.

أما إذا وقعت باتفاق مسبق على العدول فلا يجيزها أحد (١) .

ويأثم البائع وحده، ديانة عند الشافعية، إذا كان عدوله بنية مبيتة منه.

الخلاصة:

١- صورة العربون في البيع، عند العلماء، أن يشتري الشيء، ويدفع إلى البائع مبلغًا من المال، على أنه إذا تم البيع كان ما دفعه جزءًا من الثمن، وإذا لم يتم البيع كان ما دفعه ملكًا للبائع.

٢- صورة العربون في الإجارة، عند العلماء، أن يستأجر الشيء، ويدفع إلى المؤجر مبلغا من المال، على أنه إذا تمت الإجارة كان ما دفعه جزءًا من الأجرة، وإذا لم تتم الإجارة كان ما دفعه ملكًا للمؤجر.

٣- نرى الأخذ بمذهب الحنابلة وبعض السلف من الصحابة والتابعين في جواز العربون في البيع والإجارة، على أن يكون الخيار في الإمضاء والنكول مقيدًا بمدة معلومة، إذا لم يثبت نص في النهي عنه، والأصل في المعاملات المالية الإباحة، وهو عام البلوى في الأعراف الحديثة، والمصلحة داعية إليه.

وتقييد الخيار بمدة معلومة هو ما ذهب إليه بعض الحنابلة، وبعض العلماء المعاصرين، وهو ما عليه أيضا القوانين الوضعية الحديثة.

٤- إذا دفع العربون على أنه إذا تم البيع أو الإجارة كان جزءًا من الثمن أو الأجرة، وإذا لم يتم استرده الدافع، فهذا ليس من العربون المختلف فيه بين العلماء إنما هو جائز عند الجميع، والعربون المختلف فيه بين العلماء إنما هو المال المدفوع مستقلا عن ثمن السلعة، أو عن الأجرة في حال النكول، بحيث إذا نكل المتعاقد خسر العربون المدفوع.

٥- والعربون جائز سواء أكان الخيار في الإمضاء والنكول لأحد الطرفين أم لكليهما معا، فإذا نكل دافع العربون فقد هذا العربون، وإذا نكل القابض رده إلى الدافع ومثله معه.

٦- لا يشترط لاستحقاق العربون وقوع الضرر فعلاً، أو إثبات وقوعه.

٧- البيع بشرط التعويض في المصافق (= البورصات) الحديثة عبارة عن بيع يعطى فيه الخيار للمشتري أو للبائع، بأن يمضي العقد أو يفسخه لقاء تعويض يدفع إلى الطرف الآخر هذا التعويض يشبه العربون، ومع ذلك فإن البيع المذكور غير جائز، لا لأن العربون غير جائز، كما ذهب إليه البعض، بل لأن هذا البيع قائم على المراهنة على الأسعار، صعودها وهبوطها، وهذه المراهنة غير جائزة.


(١) قارن ما ذكرناه عن الربا في مبحث " الإقالة " في هذه الورقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>