أما جعل العربون جزءا من الثمن في حال إمضاء العقد فهذا من باب التسامح لا سيما وأن مدة الانتظار تكون في الغالب قصيرة ساعات أو غير ذلك، لم أفهم هذا الكلام. أما الادعاء بأن العربون من باب أكل المال بالباطل فهذا غير مسلم، ذلك لأن المشتري ليس مستعدا لدفع مال في مقابل لا شيء، من قال هذا؟ كثيرون الذين يدفعون المال في مقابل لا شيء، وخيار الشرط معمول به في كل العصور، هو يقول: من يدفع مالا في مقابل لا شيء إلا إذا كان غبيا، والفرض أنه رشيد وقد بينا الصورة التي يتحقق فيها أكل المال بالباطل بما لا مزيد عليه.
أما القول " بأن في العربون غررا فهذا أيضا غير مسلم، وعند فرض وجوده فهو غرر يسير مغتفر " الفقهاء قالوا: إنه غرر غير مغتفر، فالمشتري أمام خيارين إما أن يمضي الصفقة ويكون العربون جزءا من الثمن وإما أن يجد مصلحته في عدم إمضائها ولو دفع العربون، إذ يرى أن خسارة العربون أقل من خسارة إمضاء الصفقة. وهذا الدليل يحمل في ذاته المنع لأن هذا شبيه بما عرض على المجمع في بعض صوره، وتعرض إليه الدكتور رفيق هنا أيضا، يشبه بيع الاختيار وهو أن يشتري الشخص الخيار نفسه يدفع مبلغا مقابل الخيار من غير أن يشتري سلعة، وقد أصدر المجمع فيه قرارا بالمنع فيما أذكر.
فلو أردنا بيع العربون بهذه الصفة قد يتخذ بعض المضاربين في الأسواق العالمية للوصول إلى هذا الغرض، هو يشتري السلعة ويدفع عربونا وهو يريد المضاربة ولا يريد الشراء، وينتظر، قد يأخذ مدة يحدد مدة بشهر فإذا انتهى الشهر يرى أن من مصلحته أن يمضي البيع أمضاه، وإذا رأى أن السلعة انخفضت بحيث لو ترك العربون لا يخسر ولو أخذها يخسر أكثر مما لو ترك العربون يترك العربون؛ فهذه هي المضاربات المعمول بها الآن في الأسواق المالية.