وبعد هذا ينكب المجلس بإذن الله على دراسة المشاريع المعروضة عليه من طرف اللجان أو الأعضاء والتي تتعلق بالموسوعة الفقهية في قضايا المعاملات القديمة والجديدة، ومعجم المصطلحات الفقهية، وكتب إحياء التراث، والطرق الكفيلة بتيسير الفقه وتقريبه مثل معلمة القواعد الفقهية ومدونة الأدلة للأحكام الفقهية الشرعية وغيرها.
وإن صفوة زكية ونخبة مختارة من فقهاء الإسلام من أطراف العالم تمثل الدول الإسلامية كلها، والمذاهب الفقهية المعتمدة جميعها، تجتمع دوريا وفي كل سنة لدراسة المشاريع العلمية، والعمل على إنجازها، ولاستعراض القضايا المستجدة للإصداع بحكم الله فيها، وتحديد المنهج الشرعي لها، لخير هيئة دولية إسلامية لتجديد الذات على أساس من صحة العقيدة، وللهيمنة على المشاكل بالتزام شريعة الله السمحة، ولتوحيد الصف بين أفراد المجتمع الإسلامي استجابة لمدلول الأمة الواحدة وتحقيقا له، وإنها لثلاثة من ثلاث تكسب العزة وتوجب السيادة وتبرئ مقام الريادة يلهم الله عباده المؤمنين طرق اكتسابها وسبل الحصول عليها في قوله عز وجل:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
ولا يستولين اليأس على قلوبنا في زمننا هذا لما نرى عليه المجتمع الإسلامي من انحراف عن الدين، أو ضلال عن الحق، وتقاطع وتدابر بين شعوبه، أو تخلف أو تأخر في مجالات الحياة العلمية الجديدة، فإن للدين ربا يحميه، وللإسلام الخالد مناهج تجديدة تعتمل وسط المجتمع الإسلامي في كل صقع من أصقاعه تبعثه وتحييه وتجدد أسباب السؤدد والعزة فيه، أكد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبوهريرة من قوله: فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) ، وقد تنبه إلى هذا أيضا المجاهدون والمصلحون والمجددون حتى قال الأستاذ الإمام محمد عبده:
إن هذه العوارض التي غشيت الدين وصرفت قلوب المسلمين عن رعايته، وإن كان حجابها كثيفا لكن بينها وبين الاعتقادات الصحيحة التي لم يحرموها بالمرة تدافع دائم وتغالب لا ينقطع، والمنازعة بين الحق والباطل كالمدافعة بين المرض وقوة المزاج، وحيث إن الدين الحق هو أول صبغة صبغ الله بها نفوسهم، ولا يزال وميض برقه يلوح في أفئدتهم بين تلك الغيوم العارضة، فلا بد يوما أن يسطع ضياؤه ويقشع سحاب الأغيان، وما دام القرآن يتلى بين المسليمن، وهو كتابهم المنزل وإمامهم الحق، وهو القائم عليهم يأمرهم بحماية حوزتهم والدفاع عن ولايتهم ومغالبة المعتدين وطلب المنعة من كل سبيل، لا يعين لها وجها ولا يخطط لها طريقا، فإننا لا نرتاب في عودتهم إلى مثل نشأتهم ونهوضهم إلى مقاضاة الزمان ما سلب منهم".