للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كانت الجماعة الإسلامية التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم فئة قليلة من المؤمنين والمستضعفين، تحولت بعد قليل إلى قوم أولى قوة وبأس، وما فتئت بعد ذلك يزداد عدد أفرادها ويتسع جمهورها حتى أصبحت أمة واحدة تشد أواصر الأخوة بين جماعاتها وفئاتها في أطراف المعمورة رابطة العقيدة التي تذوب أمامها كل العلاقات وتنحل عراها، فإذا هي الآصرة الخالدة التي تتميز بها الجماعة الإسلامية، وتتجاوز بها وعن طريقها حدود الأوطان والأقاليم، وتتلاقي وتتمازج في إطارها الأعراق والأجناس، لتقوم بعد ذلك بالوظيفة السامية التي هيئت لها وأقامها على أساسها نبي الرحمة.

ولقد صور هذا المعنى الدقيق ونفذ فيه إلى غايته محمد فريد وجدي حين قال: "بعث الله خاتم رسله محمدا لإحداث هذا الحدث العالمي الفذ فأنزل عليه الدين في لقائه الأول خالصا من جميع الشوائب البشرية، وأتم على يديه تأليف أمة مثالية في عشر سنين، وهي الأمة التي أعدها الحق لنشر الدين الحق وإيقاظ العقول في سباتها التقليدي إلى النظر في الوجود، والاستفادة من خصائصها الفطرية للوصول إلى الحقائق الإلهية نقية من كل ما يلابسها من وساوس الظنون وأوهام النفوس. لتحدث في العالم ما أراده الخالق له من نقاء العقيدة وصحة الإيمان، وسلامة الصدور".

وقد تولدت عن هذه الرابطة العقدية التي انتظمت في سلكها عناصر أمة التوحيد جملة مقومات، منها العادات والتقاليد المشتركة، والثقافة المميزة الجامعة، والأحوال الاجتماعية المتماثلة، والتاريخ الواحد المتجانس، ووحدة القيم والأسس الأخلاقية والفكرية، ذلك أن المجتمع الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه لم يقم إلا على أساس الاستجابة للرسول الداعي، بالإيمان بالله وحده، وتنزيهه عن الشبيه والنظير وإعلان كلمة الشهادة، والانتظام في سلك الموحدين المؤمنين الذي يشرفهم الله بالحديث عنهم في قوله: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} .

وقد جاءت هذه العقيدة المتجسمة في الإيمان بالله وحده وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة الخالصة، آمرة وناهية، بل مقتضية من المسلم جانبا سلوكيا يتعانق مع الإيمان ويجد ما صدقه في العمل الصالح والاستقامة، يدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: ((قل: آمنت بالله أو ربي الله ثم استقم)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>