للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذلك أول شيء يفاجئنا في هذا الموضوع قضية أكل أموال الناس بالباطل. الحقيقة هذه ليست من قبيل أكل أموال الناس بالباطل.

أولا: أصبح العرف الشائع بين الناس في المعاملات أن المشتري حينما يقدم جزءا من الثمن على سبيل العربون يفهم بالتأكيد أنه إذا نكل يخسر العربون، فإذًا هو رضا منه بتنازله عن هذا الجزء من الثمن، ولا أربطه بما يقوله الإخوة الكرام في قضية العدل ومعادلة الضرر وعدم الضرر فهي هبة ضمنية من هذا المشتري وقبول بالتنازل عن المبلغ عن طواعية واختيار ولا اعتراض لأحد عليه فهو رضي بذلك. فهذا متمش مع الشرط الجزائي الذي ارتآه شريح وسار عليه الناس. فإذا القضية ليست أكل أموال الناس بالباطل، فهي إما هبة من هذا المشتري أو تنازل ورضا مسبق في الموضوع.

أما قضية الغرر، فالحقيقة أيضا لا غرر في هذا الموضوع لأن المشتري والبائع اتفقا على العقد فالعقد قائم، ولا غرر فيه إشكالا، لأن الغرر إما أن يكون في المبيع أو في الثمن أو في الشروط التوثيقية أو في أمور أخرى، والحقيقة أنه لا يوجد أي غرر في هذا الموضوع.

أما قضية المدة وكونها مفتوحة للنكول عن العقد فهذا نجده فيما قرره الحنفية كما ذكر الدكتور عبد الستار، هناك مجموعة من الخيارات لا يحددون فيها أجلا بالإضافة إلى ما ذكره خيار العيب أيضا خيار الرؤية لا يذكرون فيه أجلا. كذلك خيار الفسخ في كثير من العقود لا يحددون له أجلا في فسخ العقد، فإذن أين الغرر؟ القضية لا غرر فيها على الإطلاق. أما قضية: أنه ينبغي أن ننظر إلى هذا العقد، الله تعالى يأمرنا بإيفاء العقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فينبغي أن نلاحظ مدى الالتزام بالعقد والمشتري التزم والعقد قائم ولا اعتراض عليه، وإذا اعتبر دفع جزء من الثمن توثيقا للصفقة، فإذن قضية التوثيق قضية الالتزام بالعقود المأمور بها شرعا يتفق كل ذلك مع العمل بمبدأ البيع بالعربون وهو عرف عام وكما ذكرت، ونحن إذا أردنا أن نخرج عن هذا فالحقيقة فيه استهجان كبير، وعمل المسلمين على خلافه، في كل البلاد العربية والإسلامية عمل المسلمين على خلاف هذا الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>