للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزيادة بعد تبتيت البيع

الأصل أنه إذا صرح المالك أو وكيله أو السلطة التي تصرفت في العرض للمزايدة إذا وقع التصريح بالتبتيت، فإن العقد ينبرم ولا تحل الزيادة كما أشار إليه صاحب الفتاوى الهندية.

ولكن إذا تبين أن البيع وقع فيه غبن لأحد المتعاقدين فهل تجوز الزيادة طردا للغبن أو لا؟

أثر الغبن في بيع المزايدة

هل أن بيع المزايدة هو كالبيع فتنسحب عليه أحكام الغبن، أو أن بيع المزايدة بيع قد طرد فيه الغبن بما توفر من إشهار وحضور المتزايدين وتسليمهم في الشراء، وهل يقوم بالغبن البائع والمشتري أو هو حق لأحدهما؟

إذا كان مدعي الغبن رشيدًا عقد لنفسه، فمشهور المذهب أنه لا حق له في القيام بالغبن. ففي التوضيح عن ابن عبد السلام قال: مشهور المذهب عدم القيام بالغبن وعليه درج خليل فقال: ولا يغبن ولو خالف العادة.

وذكر ابن عسكر في العمدة والطرطوسي أن له الخيار إذا غبن غبنا فاحشا (١) .

وذكر ابن عاصم أن العمل جرى في أيامه بالأندلس بحق المغبون أن يقوم إذا توفرت ثلاثة شروط:

١- أن يكون قيامه قبل مضي السنة من يوم العقد.

٢- وأن يكون جاهلا بثمن المبيع لا يعرف ثمنه الذي يباع مثله به في السوق.

٣- وأن يكون الغبن قد بلغ ثلث الثمن؛ يقول:

ومن لغبن في مبيع قاما

فشرطه أن لا يجوز العاما

وأن يكون جاهلا بما صنع

والنقص بالثلث فما زاد وقع

وبقريب من هذا أفتى الشيخ ابن عرفة في زوجة الفقيه البطرني: باعت زيتونًا بحلقة من البائعين عند باب دارها. واجتهد في ذلك السمسار حتى وقفت على آخر زائد فيه ووصف لها ذلك. وانقطعت المزايدة فيه. فباعت وقبضت. ثم جاءها من زادها في المبيع عن الثمن الذي باعت به زيادة لها بال. فأفتى بنقض البيع. محتجًّا بأن المرأة لا تعلم حقيقة ما تبيع. إذ لم تشاهد ذلك. ولا هناك من يصفه لها صفة تقوم مقام العيان. اهـ. قال البرزلي: وما علق به شيخنا الإمام ظاهر إلا أن تكون قدمت للبيع بصيرًا عارفا بالمبيع بما باع فلا يكون لها مقال بعد ذلك. لأن فعل وكيلها كفعلها (٢) .فالشيخ ابن عرفة ربط القيام بالغبن بجهل المرأة. وبأن الزيادة لها بال ولا شك أنه لم يطل الزمن جدا. لأن الزيتون لا يباع في تونس على رؤوس الأشجار إلا عند نضجه. فكلامه رحمه الله يدل على أنه لا يشترط أن يكون الغبن بالثلث، بل المعول عليه أن يكون مما له بال أي مما لا يتسامح الناس بمثله.

وما علق به البرزلي على كلام ابن عرفة بأنها لو وكلت بصيرًا لا يكون لها مقال فيه نظر. ذلك أن أبا عمر بن عبد البر يقول: اتفقوا أن النائب عن غيره في بيع أو شراء من وكيل أو وصي إذا باع أو اشترى بما لا يتغابن الناس بمثله مردود (٣) .وعلى أن النائب عن غيره فعله منقوص إذا كان غير ناظر لمن ناب عنه.

جاءت فتوى الشيخ المهدي الوزاني ناصة على عدم التفريق بين بيع المزايدة وغيره. إذ قال: الحمد لله ما احتج به المشتري من كون المبيع وقع في البلاد مزايد لا يفيد شيئا. لأن القيام بالغبن كما يكون في بيع المساومة يكون في بيع المزايدة. وأيد فتواه بما نقله عن ابن عرفة. قال ابن عات: إن أكرى ناظر الحبس على يد القاضي وبعد النداء عليه والاستقصاء، ثم جاءت الزيادة، لم يمكن نقض الكراء ولا قبول الزيادة إلا أن يثبت بالبينة أن في الكراء غبنا على الحبس فتقبل الزيادة ولو ممن كان حاضرًا (٤) .


(١) مواهب الجليل: (٤ / ٤٧٠-٤٧٢)
(٢) حاشية المهدي على شرح التحفة للتاودي: ج٢ / كراس ٦٠ / ص٤-٥
(٣) التاج والإكليل: (٤ / ٤٦٨)
(٤) حاشية المهدي على شرح التحفة للتاودي ج٢ / كراس ٦٠ / ص ٥

<<  <  ج: ص:  >  >>