للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لزوم بيع المزايدة:

١- إذا بلغ المتولي النداء على السلعة الثمن الذي يرتضيه، وصفق البيع للعارض الراضي بالشراء، فإن العقد ينبرم. ويجب على المشتري دفع الثمن، وعلى متولي البيع تمكينه من السلعة، ولا خيار لأحدهما إلا على القول بخيار المجلس أو ظهور غبن على ما سنفصله.

٢- إذا بلغ بالنداء ثمنًا ولكن البائع لا يرغب في بيع متاعه للراغب الأخير ونفرض أنه بصدد بيع حصانه مزايدة، ويعرف قسوة المشتري الأخير أو العمل الذي يستخدم فيه الحصان أنه عمل شاق، وأن صاحب السوم الذي قبل الأخير هو أرفق بالحيوان وهو يبيع حصانه للحاجة. ويرضى تبعا لذلك أن يقبل بالثمن الأقل فهل له أن يلزم العارض السابق بالشراء؟

يقول ابن رشد: والحكم أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد إن أراد صاحبها أن يمضيها له. ما لم يسترد سلعته. فيبيع بعدها أخرى أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة. وهو مخير في أن يمضيها لمن شاء ممن أعطى فيها ثمنًا وإن كان غيره قد زاد عليه.

فابن رشد يرى أن كل من شارك في الزيادة ملزم بالثمن الذي أعطاه، ما لم يعرض البائع عن البيع، إما بانتهاء مجلس المناداة، أو التحول من بيع ذلك الشيء إلى بيع غيره. ومثله أن يصرح أنه أعرض عن بيعها.

ثم أن ابن رشد أراد أن يؤكد ما ذهب إليه بأنه ينقله عن الشيخ أبي جعفر ابن رزق، ثم يؤكده من حيث المعنى فيقول: وهو صحيح في المعنى لأن حق صاحب السلعة أن يقول للذي أراد أن يلزمها إياه إن أبى من التزامها، وقال له: بع سلعتك من الذي زاد علي فيها لأنك طلبت الزيادة وقد وجدتها: (أن يقول له) أنا لا أحب معاملة الذي زاد عليك، وليس طلب الزيادة فيها وإن وجدتها إبراء لك فيها (١) .

وربط الدسوقي إلزام المشارك في الزيادة بالشراء بالثمن الذي بذله وإن انفض المجلس ربط ذلك بالعرف. فإذا كان العرف جاريًا على إلزام المشارك في الزيادة بعقد البيع وإن طال ألزم وإلا فلا. يقول: وللبائع إلزام المشتري في المزايدة ولو طال الزمان أو انفض المجلس حيث لم يجر العرف بعدم إلزامه. كما عندنا بمصر أن الرجل إذا زاد في السلعة وأعرض عنه صاحبها أو انفض المجلس فإنه لا يلزمه بها وهذا ما لم تكن السلعة بيد المشتري وإلا كان لربها إلزامه بها. على معنى أن القرينة مقدمة على العرف (٢) .

وأصل هذا الذي ذكره الدسوقي هو ما جاء في كتاب العيوب الأول. قال صاحب لمالك: أرأيت الرقيق يبعث إلينا بهم تصيح عليهم ثلاثا، فأصيح عليهم وأبين لهم أني أصيح ثلاثا، فأصيح يومين. فإذا كان اليوم الثالث شغل أهلوهم، فلم يرسلوهم إلينا اليوم واليومين والثلاثة، ثم يرسلونهم. فيقول الذين كانوا عليهم: قد حبسوا عنا وقد مضت أيام الصياح ولا حاجة لنا بهم. فقال مالك: إذا كان اليوم واليومان وما أشبه ذلك فأرى أن يلزمهم ذلك. وأما إذا كان العشرين ليلة وما أشبه ذلك فلا. وعلق ابن رشد على هذا: ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في المجلس، ولا يشترط أن يصيح عليه أياما، لما كان له أن يلزمه الشراء بعد أن ينقلب بالسلعة عن المجلس (٣) .

فالعرف محكم. وبناء على ذلك فإن انتهاء الزيادة ما لم يصرح صاحبها بالبيع لا يعتبر دليلا على انبرام العقد ما لم يكن العرف على ذلك.

وعلى هذا يفهم ما جاء في الفتاوى الهندية في الفرق بين المزايدة والاستيام على سوم الغير أن صاحب المال إذا كان ينادي على سلعته فطلبها إنسان بثمن فكف عن النداء وركن إلى ما طلب منه ذلك الرجل فليس للغير أن يزيد في ذلك، وهذا استيام على سوم الغير. وإن لم يكف عن النداء فلا بأس لغيره أن يزيد، وإن كان الدلال هو الذي ينادي على السلعة وطلبها إنسان بثمن فقال الدلال: حتى أسأل المالك. فلا بأس للغير أن يزيد. فإن أخبر الدلال المالك فقال: بعه واقبض الثمن. فليس لأحد أن يزيد بعد ذلك (٤) .

ولما كان العرف هو الحكم في معرفة التزام المشتري بالثمن الذي عرضه في المزايدة. فإن ما جرى عليه القانون التونسي في بيع المعقول صحيح ومقبول شرعًا: ولا يتم التبتيت إلا بعد إطفاء ثلاثة أنوار تتم إضاءتها بالتوالي، وإذا وقعت مزايدة قبل انطفاء أحد الأنوار، فإنه لا يمكن التصريح بالتبتيت إلا بعد انطفاء نورين آخرين بدون مزايدات أثناء مدتها. المادة (٤٢٥) .


(١) البيان والتحصيل: (٨ / ٤٧٤-٤٧٦)
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٣ / ٥)
(٣) البيان والتحصيل: (٨ / ٢٨١-٢٨٢)
(٤) الفتاوى الهندية: (٣ / ٢١٠-٢١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>