٢- والاشتباه الآخر الذي ربما يقع في فهم هذه القاعدة، هو أن بعض الفقهاء ذكروا قاعدة أخرى ربما تبدو معارضة لقاعدة " المباشر ضامن وإن لم يكن متعديا " وهي قاعدة " الجواز الشرعي ينافي الضمان " وهي مذكورة في المادة ٩١ من قواعد المجلة.
وظاهر هذه القاعدة معارض لتضمين المباشر إذا أضر أحدا بفعل مباح، ولكن هذه القاعدة إنما تعمل في ممارسة حق من الحقوق المطلقة التي لا تتقيد بوصف السلامة. أما الحقوق التي تتقيد بوصف السلامة، كحق المرور في الطريق، فمجرد كون الفعل جائزا في نفسه لا ينفي الضمان، وقد ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى هذا الفرق في مسألة من قعد في المسجد فحدث به ضرر لآخر، قال رحمه الله:
"وإذا قعد الرجل في مسجد لحديث، أو نام فيه في غير صلاة، أو مر فيه فهو ضامن لما أصاب، كما يضمن في الطريق الأعظم في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا ضمان عليه، لأنه لو كان مصليا في هذه البقعة لم يضمن ما يعطب به، فكذلك إذا كان جالسا فيه لغير الصلاة، بمنزلة الجالس في ملكه ... فيكون ذلك مباحا مطلقا، والمباح المطلق لا يكون سببا لوجوب الضمان على الحر. وأبو حنيفة يقول: المسجد معد للصلاة، والقعود والنوم فيه لغير الصلاة مقيد بشرط السلامة ..... وإن كان ذلك مباحا أو مندوبا إليه"(١) .
(١) مبسوط السرخسي: ٢٧ / ٢٥، باب ما يحدث في المسجد والسوق