" المباشر ضامن، وإن لم يتعمد، ولم يتعد، والمتسبب لا يضمن إلا أن يتعدي ".
وقد رفع فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء حفظه الله تعالى هذا التعارض (١) بما حاصله أن التعدي يستعمل في معنيين يجب التمييز بينهما:
فالمعني الأول للتعدي: هو المجاوزة الفعلية إلى حق الغير أو ملكه المعصوم.
والمعني الثاني: هو العمل المحظور في ذاته شرعا، بقطع النظر عن كونه متجاوزا على حدود الغير أو لا. فالتعدي بالمعني الأول يشترط لتضمين المباشر أيضا. أما التعدي بالمعني الثاني، فلا يشترط في تضمين المباشر. فمن أكل طعام غيره في حالة المخمصة بدون إذنه لدفع الهلاك عن نفسه فإن فعله جائز، بل واجب، فلم يصدر منه التعدي بالمعني الثاني، ولكن حصل التعدي من حيث أنه تصرف في ملك الغير، فوجب عليه الضمان، وكذلك لو زلق إنسان أو أغمي عليه، فوقع على مال غيره فأتلفه، فإنه ضامن، وإن لم يأت عملا محظورا.
وإن هذا التمييز الذي ذكره الشيخ مصطفى الزرقاء حفظه الله تعالى جيد وواضح. وبه يرتفع التعارض بين من اشترط التعدي لضمان المباشر ومن لم يشترطه. والحاصل إذن: أن المباشر كلما أحدث ضررا في نفس معصوم، أو في بدنه أو في ماله فإنه ضامن، ولو صدر ذلك منه عند مباشرة فعل مباح في نفسه بدون تعمد.
(١) في كتابه القيم "الفعل الضار والضمان فيه" ص (٧٨ و٧٩)