للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتفق هؤلاء الفقهاء على أن ملاح السفينة لا يضمن ما تلف بسفينته إذا لم يفرط في ضبطها؛ لأن السفينة الشراعية لا تتمحض مقدورة بيد الملاح، بل للرياح دور كبير في تسييرها، فلو غلبتها الرياح، فإن الإتلاف لا ينسب إلى الملاح، فلا تتحقق منه المباشرة.

وإن هذه النصوص الفقهية تدل على مدى تعمق الفقهاء في التثبت من تحقق المباشرة، وإن هذه النقطة مهمة جدا، وسوف تفيد في عدة مسائل من حوادث السيارات وغيرها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

القاعدة الثالثة: المسبب ضامن إن كان متعديا:

وإن هذه القاعدة ذكرها البغدادي في مجمع الضمانات (١) بقوله "المتسبب لا يضمن إلا أن يتعدى" وقد ذكرنا عبارة الزيلعي في تبيين الحقائق عند الكلام على القاعدة الثانية.

وتعريف المسبب ما ذكره الحموي رحمه الله (٢) :

"حد المسبب هو الذي حصل التلف بفعله، وتخلل بين فعله والتلف فعل مختار".

ومثاله: من حفر بئرا، فسقط فيها رجل، فالحافر مسبب لسقوطه، فيضمن أن كان متعديا في الحفر، وإن لم يكن متعديا، فلا ضمان عليه.

وقد وقع ههنا تسامح في التعبير في مجلة الأحكام العدلية، حيث ذكرت هذه القاعدة في المادة (٩٣) بلفظ: " المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد " وهذا خلاف ما ذكره جمهور الفقهاء، فإن تعمد الإضرار ليس بشرط لتضمين المسبب، ولذلك من حفر بئرا في غير ملكه، وسقط فيها رجل، فإن الحافر ضامن، ولو لم يحفرها بنية أن يتردى فيها رجل. فالصحيح من عبارة هذه القاعدة ما ذكرنا من أن المسبب لا يضمن إلا بالتعدي، ولو لم يكن متعمدا بالضرر أو بالتعدي.


(١) مجمع الضمانات، ص (١٦٥)
(٢) شرح الأشباه والنظائر ١ / ١٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>