للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثانية: إذا كان المسبب متعديا، والمباشر غير متعد:

والنقطة الثانية في مستثنيات القاعدة الرابعة التي ذكرها بعض الفقهاء هي أنه إذا كان المسبب متعديا، والمباشر غير متعد في فعله، فالحكم يضاف إلى المسبب المتعدي، وإن هذه القاعدة ذكرها صاحب الهداية في مسألة من نخس دابة فقتلت رجلا، فإن الضمان على الناخس دون الراكب، وقد ذكرنا عبارته في القاعدة الثانية بتمامها، وفيها (١) :

"ولأن الناخس متعد في تسبيبه، والراكب في فعله غير متعد، فيترجح جانبه في التغريم للتعدي".

وقد اعترض عليه صاحب العناية بأن كون المباشر غير متعد لا يبرئه من الضمان، فهذا التعليل الذي ذكره صاحب الهداية غير صحيح فيما إذا وطئت الدابة أحدا، ولكن يمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن المباشر يضمن، وإن لم يكن متعديا فيما إذا كانت مباشرته هي السبب الوحيد في التلف. أما إذا كان هناك مسبب آخر، وهو متعد في تسبيبه، والمباشر غير متعد في فعله، فحينئذ يقدم المسبب على المباشر. نعم، إن كان كل من المباشر والمسبب متعديًا، فالمباشر مقدم على المسبب. وربما يتأيد هذا بمسألة أخرى ذكرها البغدادي في مجمع الضمانات، قال (٢) :

"قصار أوقف دابة في الطريق، وعليها ثياب، فصدمها راكب ومزق بعض الثياب التي كانت على الدابة، قال الشيخ أبو بكر البلخي: إن رأى الراكب الدابة الواقفة ضمن، وإن لم يبصر لم يضمن. ولو مر رجل على ثوب موضوع في الطريق وهو لا يبصره فتخرق، لا يضمن".

فالقصار الذي أوقف دابته في الطريق مسبب لتخرق الثياب، وهو متعد، لأنه أوقف دابته في الطريق، وراكب الدابة الأخرى مباشر، فلو لم يبصر الدابة الواقفة لم يكن متعديا، فلا ضمان عليه، وينسب التمزيق إلى المسبب وهو القصار، فكأنه مزق ثيابه بنفسه، فلا يضمنه أحد. أما إذا أبصر الراكب الدابة الواقفة، ومع ذلك صدمها فإنه متعد، ومتى اجتمع تعدي المسبب وتعدي المباشر، فالمباشر أولى بالضمان، ولذلك ضمن الثياب للقصار، وكذلك من وضع ثوبا في الطريق، فإنه مسبب لتخرقه، وهو متعد من حيث إن الطريق غير موضوع لوضع الثياب، والرجل المار مباشر لتمزيق الثياب، فإن كان قد أبصر الثياب، فإنه متعد، فيضمن، وإن لم يكن أبصرها، فليس متعديا فلا يضمن.

وكذلك ذكر البغدادي مسألة أخرى، قال (٣) :

"مر بحمار عليه حطب، وهو يقول: إليك إليك، إلا أن المخاطب لم يسمع ذلك حتى أصاب ثوبه وتخرق يضمن، وإن سمع إلا أنه لم يتهيأ له التنحي بطول المدة فكذلك. وأما إذا أمكنه ولم يتنح لا يضمن".


(١) الهداية مع فتح القدير ٩ / ٢٦٧
(٢) ص ١٥٤
(٣) مجمع الضمانات (ص ١٥٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>