وإن هذه الصورة منطبقة تماما على ما ذكره الفقهاء فيما إذا نخس أحد دابة فأصابت أحدا، فإن الضمان على الناخس دون الراكب. ومما يؤيده أيضا ما ذكره البغدادي رحمه الله في مجمع الضمانات، قال (١) :
"فإن عثر بما أحدثه في الطريق رجل فوقع على آخر فمات، كان الضمان على الذي أحدثه في الطريق، وصار كأنه دفع الذي عثر به، لأنه مدفوع في هذه الحالة، والمدفوع كالآلة".
فالظاهر في هذا المثال أن الرجل الذي وقع على آخر، هو المباشر للإهلاك، ولكن وقع الضمان على المسبب لكونه متعديا ولكون تأثيره أقوى بحيث لم يبق للرجل الواقع صنع ولا اختيار، فلم تنسب المباشرة إليه. فكذا في مسألتنا.
٣- إذا كانت السيارة سليمة قبل السير بها، وكان السائق يتعهدها تعهدا معروفا، ثم طرأ عليها خلل مفاجئ في جهاز من أجهزتها، حتى خرجت السيارة من قدرة السائق ومكنته من ضبطها، فصدمت إنسانا فقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية، بأنه لا ضمان على السائق، وكذلك لو انقلبت بسبب ذلك على أحد أو شيء فمات أو تلف، فلا ضمان عليه.
ويمكن أن تخرج هذه الفتوى على ما قدمنا في القاعدة الثانية من نص الفقهاء على أن الدابة إن جمحت وخرجت من قدرة الراكب، فلا ضمان عليه. وذلك لأن ما حصل بالسيارة بعد خروجها من ضبط السائق بحادثة حدثت بجهاز من أجهزتها لا تصح نسبتها إلى السائق، ولا يقال: إن السائق مباشر للإتلاف، وغاية ما يقال فيه: إنه مسبب للهلاك، فإنه هو الذي سير السيارة في مبدأ الأمر، وبما أنه مسبب، فيشترط لتضمينه التعدي. فإن كان يتعهد السيارة تعهدا معروفا، ويسيرها ملتزما بقواعد المرور سيرا عاديا، فلا ضمان عليه لعدم التعدي، نعم! إن أخل بشرط من هذه الشروط، مثل عدم تعهده للسيارة أو تسييرها مع خلل ظاهر في جهاز من أجهزتها، أو سوقها سوقا عنيفا، فإنه يضمن في كل ذلك، وإن خرجت السيارة من ضبطه، لأنه مسبب لانفلات السيارة بتعديه.