للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما تشهد لهذه الفتوى جزئية ذكرها الكاساني رحمه الله في البدائع، قال (١) :

"وكذلك (يضمن) إذا كان مشى في الطريق حاملا سيفا، أو حجرا، أو لبنة، أو خشبة، فسقط من يده فقتله، لوجود معنى الخطأ فيه، وحصوله على سبيل المباشرة، لوصول الآلة لبشرة المقتول، ولو كان لابسا سيفا، فسقط على غيره فقتله، أو سقط عنه ثوبه، أو رداؤه، أو طيلسانه، أو عمامته وهو لابسه، على إنسان فتعقل به فتلف، فلا ضمان عليه أصلا؛ لأن في اللبس ضرورة، إذ الناس يحتاجون إلى لبس هذه، والتحرز عن السقوط ليس في وسعهم، فكانت البلية فيه عامة، فتعذر التضمين، ولا ضرورة في الحمل، والاحتراز عن سقوط المحمول ممكن أيضا. وإن كان الذي لبسه مما لا يلبس عادة فهو ضامن".

ويؤيده أيضا ما ذكرنا في القاعدة الثانية أنه لو سقطت الدابة ميتة أو بمرض أو عارض ريح شديد ونحوه، وتلف بسقوطها شيء لم يضمنه الراكب (٢) .

٤- إذا ساق إنسان سيارة في شارع عام ملتزما السرعة المقررة، ومتبعا خط السير حسب النظام، ومتبصرا في سوقه حسب قواعد المرور، فقفز رجل أمامه فجأة، فصدمته السيارة رغم قيام السائق بما وجب عليه من الفرملة ونحوها، فإن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية أبدت في هذه الصورة احتمالات مختلفة ولم تبت فيها بشيء، ونص قرارها في هذه الصورة كما يلي (٣) :

"أمكن أن يقال بتضمين السائق من مات بالصدم أو كسر مثلا بناء على ما تقدم من تضمين الراكب أو القائد أو السائق ما وطئت الدابة بيديها. وقد يناقش بأن كبح الدابة وضبطها أيسر من ضبط السيارة، ويمكن أن يقال بضمان كل منهما ما تلف عند الآخر من نفس ومال بناء على ما تقدم من الحنفية والمالكية والحنابلة ومن وافقهم في تضمين المتصادمين. ويمكن أن يقال بضمان السائق ما تلف من نصف الدية أو نصف الكسور، لتفريطه بعدم احتياطه بالنظر لما أمامه من بعيد، وبضمان المصدوم نصف ذلك باعتدائه بالمرور فجأة أمام السيارة دون الاحتياط لنفسه، بناء على ما ذكره الشافعي وزفر وعثمان البتي ومن وافقهم في تضمين المتصادمين، ويحتمل أن يقال: إنه هدر، لانفراده بالتعدي".


(١) بدائع الصنائع الكاساني: ٧ / ٢٧١
(٢) مغني المحتاج للشربيني: ٤ / ٢٠٤ – ٢٠٥
(٣) مجلة البحوث الإسلامية، عدد (٢٦) ، ١٤٠٩ و١٤١٠ هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>