قال أصحابنا: فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة حتى ما يسد حاجته فدل على ما ذكرناه ... قالوا فإن كان عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به حرفته أو آلات حرفته قلت قيمة ذلك أم كثرت ويكون قدره بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالبا تقريبا ويختلف باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص فإن لم يكون محترفا ولا يحسن صنعة أصلا ولا تجارة ولا شيئا من أنواع المكاسب أعطي كفاية العمر الغالب لأمثاله في بلاده ولا يتقدر بكفاية سنة.
ووضح ذلك الشمس الرملي في شرح المنهاج للنووي فذكر أن الفقير والمسكين إن لم يحسن كل منهما كسبا بحرفة ولا تجارة يعطى كفاية ما بقي من عمر الغالب لأمثاله في بلده لأن القصد اغناؤه ولا يحصل إلا بذلك فإن زاد عمره عليه أعطي سنة بسنة وليس المراد بإعطائة من لا يحسن الكسب إعطاءه نقدا يكفية تلك المدة بل ما يكفيه دخله منه فيشترى له به عقارا يستغله ويغتني به عن الزكاة فيملكه ويورث عنه.
قال: والأقرب كما بحثه الزركشي أن للإمام دون المالك شراءه له وله إلزامه بالشراء وعدم إخراجه عن ملكه وحينئذ ليس له إخراجه فلا يحل ولا يصح فيما يظهر ولو ملك هذا دون كفاية العمر الغالب كمل له من الزكاة كفايته كما بحثه السبكي قال الماوردي: لو كان معه تسعون ولا يكفيه إلا مائة أعطي العشرة الأخرى وهذا كله فيمن لا يحسن الكسب أما من يحسن حرفة لائقة تكفية فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت ومن يحسن تجارة يعطى رأس مال يكفيه ربحه غالبا باعتبار عادة بلده ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والنواحي " أهـ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين الرملي م٦ ص ١٥٩ وهذا ما نصه الشافعي في الأم وما رجحه وأخذ به أصحابه.
وفي مذهب الإمام أحمد رواية تماثل ما نص عليه الشافعي فأجاز للفقير أن يأخذ تمام كفايته دائما بمتجر أو آلة صنعة أو نحو ذلك وقد اختار هذه الرواية بعض الحنابلة ورجحوا العمل بها وهذا يوافق ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه" إذا أعطيتم فاغنوا " وقال للموظفين الذين كانوا يعملون في توزيع الصدقات على المستحقين " كرروا عليهم الصدقة وإن راح أحدهم على مائة من الإبل ".
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه فقه الزكاة وتستطيع الدولة المسلمة بناء على هذا الرأي أن تنشئ من أموال الزكاة مصانع وعقارات ومؤسسات تجارية ونحوها وتملكها للفقراء كلها أو بعضها لتدر عليهم دخلا يقوم بكفايتهم ولا تجعل لهم الحق في بيعها ونقل ملكيتها لتظل شبه موقوفه عليهم. وهذا استنتاج قوي واضح وأما إنشاء الدولة المسلمة من أموال الزكاة ذلك المذكور من المصانع والعقارات ونحوها ثم تجعل الفقراء موظفين في تلك المشاريع وإعطائهم أجرة عملهم كراتب شهري من غلات هذه المشاريع من أموال الزكاة بدون تمليكهم فهذا بعيد عما فهمه الفقهاء من نظام توزيع الزكاة وخاصة سهم الفقراء والمساكين الذي يجب تمليكه لهم.