للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا – أثر المسؤولية في الزجر

بينا فيما سبق مسؤولية السائق جزائيا وما يترتب على هذه المسؤولية من أحكام في الفقه الإسلامي والفقه الوضعي الحديث، وأنه إذا ثبت هذه المسؤولية ترتبت عليها المسؤولية المدنية والحقوق الأخرى مما عسى أن يكون قد لحق المضرور في بدنه أو ماله.

وبينا أن لولي الأمر أن يسن من التقنيات والتعازير ما يحفظ على الناس مصالحهم في حماية أرواحهم وأموالهم والمحافظة على الضرورات الخمس التي هي محل نظر مختلف الشرائع، وأن الفقه الإسلامي يجد موردا لا ينقطع ولا ينضب في سد كل ثلمة أو نقص في التشريع، وهو مجال السياسة الشرعية. يقول الشيخ عبد الرحمن تاج باشا: "السياسة الشرعية: يستطيع ولاة الأمر أن يسنوا من القوانين ما يحقق مصلحتها ويستجيب لداعي حاجاتها العارضة ومطالبها المتجددة، مما لا نجد له دليلا خاصا من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ولا نظيرًا سبق لبعض هذه الأدلة الحكم فيه حتى يمكن أن نربطه ونقيسه به" (١) . ويضرب أمثلة مختلفة ووجوها من السياسة التشريعية، وينتقد قول صاحب معين الحاكم بأن السياسة شرع مغلظ، ويحصر أحكام الشريعة كلها في خمسة أقسام، ويقول في القسم الخامس الذي خصه بالحدود والتعازير: إنه هو المقصود، شرع للسياسة والزجر. ويعقب على ذلك بقوله: ونحن إذا قصرنا السياسة على هذا النوع من الأحكام والتصرفات فقد حبسناها في دائرة ضيقة، على حين أن مجالها أوسع والمواطن التي تتجلى فيها آثارها أفسح وأرحب، فهي تدخل في جميع أعمال السلطات وتستخدم في كل المرافق العامة، تدخل في محيط السلطة التشريعية، وأثرها فيه لا يصح إغفاله أو التهوين من أمره (٢) .

ويبين ابن القيم أهمية دور السياسة الشرعية في تحصيل المصالح ودرء المفاسد وما يترتب على إغفاله من شرور فيقول: وهذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك ومعترك صعب مفرط فيه طائفة؛ فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له (٣) .


(١) السياسة الشرعية ص ٢٩
(٢) السياسة الشرعية ص ٢٨
(٣) الطرق الحكمية ص ١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>