يبين ذلك أن مصر بعد أن انتقلت من ولاية رومانية إلى ولاية إسلامية، أخضعت لقواعد أحكام الدين الإسلامي، وقد اتخذ الدين الإسلامي جزاء إنسانيا واجتماعيا في نفس الوقت عتق عبد، ودفع تعويض للمجني عليه أو لذويه، فإن لم يكن لدى الجاني عبد، وليس من الميسور عليه أن يعوض المجني عليه أو ذويه عما أصابهم من ضرر، فعليه أن يصوم شهرين، وعلق المؤلف على ذلك بقوله: من ذلك يتبين أن القرآن الكريم لم يذكر صراحة إلا القتل بإهمال، لذلك يجب أن نتبع القياس والاجتهاد في حالات الضرب أو الجرح بإهمال، ونلاحظ أن القانون الإسلامي جعل التعويض اختياريا وليس إجباريا، فإن كان اختياريا بالنسبة للمجني عليه أو ذويه لهم أن يطلبوه أو لا يطلبونه، فقد كان كذلك اختياريا بالنسبة للجاني فله أن يدفعه وإن لم يستطع فصيام شهرين. معنى ذلك أن العصر الإسلامي كان يتميز بأنه عصر ديني يؤمن فيه الناس بالله ورحمته ويطلبون غفرانه.
ثم قال بعد ذلك: ظلت مصر متبعة التشريع الإسلامي حتى ظهرت تشريعاتنا الحديثة سنة (١٨٨٣) ميلادية وعدلت سنة (١٩٣٧) ميلادية متبعة التشريع الفرنسي، آخذة بالمواد (٣١٩ – ٣٢٠)"ملغاة" عقوبات، وأصبح الإهمال جريمة يعاقب عليها في مصر، وللمجني عليه أن يرفع الدعوى المدنية مطالبا بالتعويض عما أصابه من أضرار، كما للنيابة العامة أن تحرك الدعوى العمومية لمؤاخذة الفاعل جنائيا عن خطته (المادة ٢٣٨، ٢٤٤ / عقوبات على القتل والجرح بالإهمال ... إلخ) والدكتور عفا الله عنه وإن حرص على أن ينوه بحكمة التشريع الإسلامي في عتق الرقبة ونظرته الإنسانية في ذلك، إلا أنه وقع في خطأ كبير في متابعته للأستاذ الفرنسي الذي فهم من الآية أن التعويض اختياري، فإن شاء الجاني أن يدفعه للمجني عليه، أو لا يدفعه، ويصوم بدلا من ذلك شهرين متتابعين، إذا عجز عن عتق الرقبة، والآية لا تقتضي ذلك، فالدية المسلمة إلى أهل المجني عليه ليس مختارا في دفعها الجاني، أو عدم دفعها، بل هو حق ثابت لأهل المجني عليه، لا تقبل الإسقاط، إلا إذا تنازلوا عنها باختيارهم، كما أنه لو كان للمجني عليه ورثة صغار، لا يستطيع أحد أن يتنازل عن حقهم في التعويض، وهذا أمر معروف في الفقه الإسلامي، فالأمر ليس راجعا إلى حقهم في التعويض، وهذا أمر معروف في الفقه الإسلامي، فالأمر ليس راجعا إلى اختيار الجاني، والآية بينت أن في قتل الخطأ دية وكفارة، وكل ذلك ملزم به الجاني، فالدية حق المجني عليه، والكفارة حق الله، ولو رجع المؤلف إلى المراجع الإسلامية لما وقع في الخطأ، الخطأ الآخر الذي وقع فيه المؤلف هو أنه قرر أن الإهمال لم يكن جريمة يعاقب عليها في مصر إلا بعد أن طبق في مصر التشريع الفرنسي وقد ظن أنه لا نصوص فقهية إسلامية تعرضت لجريمة الإهمال، إلا ما جاء في الآية الكريمة، التي تبع في تفسيرها ليون بوشيه، الذي أساء فهم الآية، وجعل التعويض في الإسلام على الجاني اختياريا، فإن شاء دفعه، وإن لم يشأ لم يدفعه.