إن التراث الفقهي الإسلامي يجب أن يكون محل اهتمام الحقوقيين العرب، وليس من واجبهم أن يدرسوه فقط، بل واجبهم أن يقوموا بنشره باللغات الحية، فإن ذلك واجب ديني ووطني وحضاري، وقد رأينا كيف أن عدة محاضرات ألقيت في المؤتمر الدولي بباريس قبل حوالي ثلاثين عاما، جعلت المؤتمرين يعترفون بسمو الفقه الإسلامي، وإنه لا يقل أهمية عن القوانين الحديثة، ونلاحظ مع الأسف أن كثيرا المثقفين العرب من الحقوقين والأدباء والفنانين وغيرهم ممن هم يهتمون بالثقافة الغربية، أكثر من اهتمامهم بتراثهم، بل لا يلقون بالا لما عندهم، فترى كثيرا منهم يحمل أرفع الشهادات من الجامعات الغربية في الأدب والتربية والفن والتاريخ والقانون، وغيرها من العلوم النظرية، وتراه ملما بكل صغيرة وكبيرة في حياة الغرب وتاريخه وثقافته وجغرافيته، وإذا تحدث تجد نصف كلامه باللغة الأجنبية من كثرة ما يستشهد به من الثقافة الغربية، ويذكر أسماء الأدباء والقادة والمسرحيين والفنانين وغيرهم، واسماء المناطق والبلدان والجبال والأنهار والمسارح والمتاحف، ولكنه لا يعرف شيئا عن بلادهن ولا عن تراثه جاهلا بأبسط المعلومات في الثقافة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي، ولا أدل على ذلك مما يذكر بأن إحدى الجامعات السعودية استدعت خبيرا في التعليم من إحدى البلاد العربية لمراجعة المناهج التي وضعت للجامعة، وأرادوا تكريم الخبير بتنظيم زيارة له للأماكن المقدسة، فبعد أن انتهى إلى العمرة، والطواف بالكعبة، قالوا له: غدا أن شاء الله ستسافر إلى المدينة المنورة لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة في الحرم النبوي، فقال: لم إذا نذهب المدينة أليس الرسول مدفونا هنا في الكعبة؟ فقد كان يظن أن قبر الرسول داخل الكعبة، وأن الناس إنما يطوفون حول الكعبة من أجل أن القبر داخلها... أليس هذا الموقف مما يثير الحزن والأسى؟