للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اعتبر شيخ الإسلام هذا الحديث دليلًا على جواز الاعتياض عن المسلم فيه فقال: "والدليل على ذلك أن الثمن يجوز الاعتياض عنه قبل قبضه بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.. فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضمونًا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يجوز الاعتياض عنه إذا كان بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن (١) ثم ختم كلامه بقوله: "والصواب الذي عليه جمهور العلماء.. أنه يجوز بيع الدين ممن هو عليه؛ لأن ما في الذمة مقبوض للمدين، لكن إن باعه بما لا يباع به نسيئة اشترط فيه الحلول والقبض لئلا يكون ربا، وكذلك إذا باعه بموصوف في الذمة، وإن باعه بغيرهما ففيه وجهان:

أحدهما: لا يشترط، كالاشتراط في غيرهما.

والثاني: يشترط؛ لأن تأخير القبض نسيئة كبيع الدين بالدين، ومالك لم يجوز بيع دين السلم إذا كان طعامًا؛ لأنه بيع، وأحمد جوز بيعه وإن كان طعامًا أو مكيلًا، أو موزونا من بائعه إذا باعه بغير مكيل، أو موزون؛ لأن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له، فلا يقاس هذا بهذا، فإن البيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه، وهنا لم يملك شيئا، بل سقط الدين من ذمته، وهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل: إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: أوفاه حقه، بخلاف ما لو باعه بدراهم معينة فإنه بيع، فلما كان في الأعيان إذا باعها بجنسها لم يكن بيعًا، فكذلك إذا وفاها من غير جنسها لم يكن بيعًا بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة (٢)


(١) مجموع الفتاوى: (٢٩ / ٥١٠)
(٢) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>