للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو الخلاف في بيع الشيء قبل قبضه بصورة عامة، وهل هذا الخلاف يجري في بيع المسلم فيه قبل قبضه؟

إنه من الثابت في كتب المالكية والحنابلة أن مذهب مالك على جوازه فيما عدا الطعام (١) وكذلك نص عليه أحمد (٢) ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته.. وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد (٣) ، ثم قال: "والمقصود أن أصل أحمد ومالك جواز التصرف، وأنه يوسع في البيع قبل انتقال الضمان إلى المشتري، بخلاف أبي حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد (٤)

,أصل الخلاف يعود إلى مسألة الضمان، هل هو من ضمان البائع، أم من ضمان المشتري، وهل ذلك الضمان يمنع المشتري من التصرف فيه؟

فمالك وأحمد في المشهور عنه ومن معهما قالوا: إن ما تمكن المشتري من قبضه فهو من ضمانه، وأن المشتري يستطيع أن يتصرف في المبيع قبل التمكن من قبضه؛ لأن ضمان البائع له لا يمنع تصرف المشتري الذي انتقلت إليه ملكية المبيع والمسلم فيه بمجرد العقد، قال ابن تيمية: " فظاهر مذهب أحمد أن جواز التصرف فيه ليس ملازمًا للضمان ولا مبنيًّا عليه، بل قد يجوز التصرف فيه حيث يكون من ضمان البائع كما ذكر في الثمرة، وصنائع الإجارة، وبالعكس كما في الصبرة المعينة (٥)

بينما ربط أبو حنيفة والشافعي جواز التصرف بالضمان فإذا لم ينتقل الضمان إلى المشتري لا يجوز له التصرف فيه حتى لا يتوالى الضمانان.

لكن شيخ الإسلام رد على هذا الأصل بأنه مأخذ ضعيف، وأنه لا محذور في وجود ضمانين؛ لأن الواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان ذاك (٦) ، فلو تلف المبيع قبل التمكين من القبض فإن المشتري الثاني يعود إلى المشتري الأول وهو على البائع، وكل يرجع على الآخر بما دفعه.


(١) المدونة: (٤ / ٨٨،٩٠، ٩١، ٩٥) ، وبداية المجتهد: (٢ / ٢٠٦)
(٢) مجموع الفتاوى: (٢٩ / ٥٠٦) .
(٣) المرجع السابق
(٤) المرجع السابق: (٢٩ / ٥٠٦ـ٥٠٩)
(٥) مجموع الفتاوى: (٢٩ / ٥٠٦ـ٥٠٩)
(٦) المرجع السابق نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>