للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: "ونظير هذه المسألة: إذا باعه ما يجري فيه الربا كالحنطة مثلًا بثمن مؤجل فحل الأجل فاشترى بالثمن حنطة أو مكيلًا آخر من غير المجلس مما يمتنع ربا النساء بينهما، فهل يجوز ذلك؟ فيه قولان:

أحدهما: المنع، وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب، وطاوس، وهو مذهب مالك، وإسحاق.

والثاني: الجواز، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة (١) ، وبه قال جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وهو اختيار صاحب المغني (٢) وشيخنا.. (٣)

ثم قال: "والصحيح الجواز، لما تقدم، قال عبد الله بن زيد: قدمت على علي بن حسين، فقلت له: (إني أجذ نخلي، وأبيع ممن حضرني التمر إلى أجر فيقدمون بالحنطة، وقد حل الأجل فيوقفونها بالسوق، فابتاع منهم، وأقاصهم؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن منك على رأي) يعني إذا لم يكن حيلة مقصودة فهذا شراء للطعام بالدرام التي في الذمة بعد لزوم العقد الأول، فصح، لأنه لا يتضمن ربا بنسبة ولا تفاضل، والذين يمنعون ذلك يجوزون أن يشتري منه الطعام بدراهم، ومعلوم أن شراءه العام منه بالدراهم التي في ذمته أيسر من هذا، واقل كلفة، والله أعلم (٤)

والخلاصة أن الإقالة جائزة في عقد السلم بالاتفاق، وأن المسلم (المشتري) له الحق في أن يأخذ بدل رأس ماله (دينه) أي شيء من المسلم إليه، مع ملاحظة قواعد الصرف فيما لو كان رأس ماله نقدًا، ويأخذ الآن نقدًا آخر مكانه، أما لو كان رأس ماله عينًا فيسترد مثله أن كان مثليًا، وقيمته أن كان قيميًا.

وكذلك له الحق في أن يشتري برأس مال السلم ـ بعد فسخ ـ أي شيء آخر مع ملاحظة قواعد الربا في النقود والطعام، ولكنه لا يجوز له أن يشتري به دينًا نسيئة، لأنه لا يجوز بيع الدين بالنسيء.

وله الحق في الحوالة، والتولية والإشراك والصلح ونحو ذلك، كما سبق.


(١) يراجع: حاشية ابن عابدين: (٤ / ٢١٠) ، والروضة: (٣ / ٤٩٣، ٤ / ٢٩) ، ويراجع المدونة: (٤ / ٦٩ـ٧٩)
(٢) المغني لابن قدامة: (٤ / ٣٣٧)
(٣) شرح سنن أبي داود: (٩ / ٣٦١)
(٤) شرح سنن أبي داود بهامش عون المعبود: (٩ / ٣٦١ ـ ٣٦٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>