للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل ابن حزم بأنه لم يأت نهي عن المواعدة في الصرف، ولو كان محرمًا لذكره الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى قد فصل المحرمات وبينها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] . قال ابن حزم: " فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن، إذ ليس في الدين إلا فرض، أو حرام، أو حلال، فالفرض مأمور به في القرآن والسنة، والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة، وما عدا هذين فليس فرضًا ولا حرامًا فهو بالضرورة حلال إذ ليس هناك قسم رابع (١)

فرأي الجمهور هنا هو الراجح؛ لأن المواعدة في الصرف إذا كانت ملزمة فهي مثل العقد فلا تجوز دون تقابض البدلين بنص الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.

وإن كانت غير ملزمة فلا فائدة فيها للطرفين، لكنها قد تتخذ وسيلة للتحايل، بل هي ذريعة للخلاف والنزاع الشديدين ولا سيما إذا لاحظنا تغير قيمة النقود صعودًا أو هبوطًا تغيرًا خطيرًا، حيث قد تنزل قيمة عملة ما نزولًا يخرجه عن المعيار والثمنية، ويكون الفرق بين وقت المواعدة ووقت العقد بالملايين، بل قد يكون بالمليارات في الصفقات الكبيرة، حتى في العملات الدولية المعتبرة، فقد نزلت قيمة الدولار عام ١٩٨٦م أمام الين الياباني بنسبة ٤٠ %، وحدث للجنيه الإسترليني في صيف ١٩٩٣ صعود كبير، وهبوط حاد، كل ذلك يجعل المواعدة في الصرف مخاطرة كبرى، واحتمالًا للغبن الفاحش، أو الربح الكبير، غير أن ابن حزم لا يقول بكونها ملزمة، لكن الاحتياط يقتضي سد هذا الباب في باب الصرف.

المواعدة في غير باب الصرف:

فالمواعدة هي التعهد الصادر من طرفين بإتمام عقد ما في زمن محدد، أو عند استكمال شيء معين، بأن يقول البائع: أبيع لك داري في شهر كذا، أو عندما أشتري دارًا أخرى، أو نحو ذلك، فيوافق عليه المشتري، أو يكون التعهد أولًا من المشتري ويوافق عليه البائع.


(١) المرجع السابق نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>