للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظهر لنا رجحانه أن المواعدة في المعاوضات وغيرها إذا خلت عن المحرمات فهي ملزمة للطرفين، حيث تشهد بذلك ظواهر النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية التي ذكرنا بعضها، وقد ترجم الإمام البخاري: باب من أمر بإنجاز الوعد وفعله الحسن.

ثم ذكر قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] ، وقال: وقضى ابن الأشوع (١) بالوعد، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب، وقال المسور بن مخرمة: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرًا له، فقال: وعدني فوفى لي)) (٢)

ثم ذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث تدل على وجوب الوفاء بالوعد، فإذا كان الوفاء بالوعد واجبًا ديانة فيجب على القضاء أن يحمي ذلك ما دام يقع تحت طاولة القضاء، وكذلك لو كان خلف الوعد محرمًا وعلامة من علامات النفاق فيكون الوفاء به واجبًا، ولذلك قال الحافظ ابن حجر متسائلًا متعجبًا: "وينظر هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف، ولا يجب الوفاء؟ أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك!!!! (٣)

ويفهم من صنيع البخاري أن القول بإنجاز الوعد والقضاء به مذهبه، ولذلك ترجم له هذا الباب، وكذلك ذكره هذا الباب في كتاب الشهادات يدل على أن الواعد يؤخذ بوعده، كما يؤخذ الشاهد بالشهادة على نفسه (٤)

وقد ذكر العلامة الزبيدي: أن أكثر العلماء على وجوب الوفاء بالوعد، وتحريم الخلف فيه، وأن الحافظ السخاوي ألف في ذلك رسالة مستقلة سماها: "التماس السعد في الوفاء بالوعد" (٥) .

وليس هذا البحث مجال التفصيل في مسألة الوعد والمواعدة، إذ لم تأت فيه إلا كجزئية من الجزئيات، ولكن الذي يظهر لنا رجحانه هو القول بإلزامية المواعدة في غير الصرف، إلا إذا أدت إلى مخالفة نص (٦)

٥- الاستفادة من الصلح:

وقد فصل العلماء في كتاب الصلح، وذكروا تفصيلات طيبة في الصلح في المعاوضات، يمكن الإفادة منها في سوق المال الإسلامية، حيث توضع المعلومات الخاصة بالصلح في المعاوضات أو الحطيطة، أو على الدين في إطار مرن يستفاد منها عند النزاع والتصالح.


(١) وهو القاضي الفقيه سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمذاني، كان قاضي الكوفة، في زمان إمارة خالد القسري على العراق، وذلك بعد المائة، وتوفي في (١٢٠هـ) ، ذكره ابن حيان في الثقات، قال العجلي: ثقة، قال البخاري: رأيت إسحاق بن راهويه يحتج بحديثه انظر: تهذيب التهذيب: (٤ / ٦٧) ، وفتح الباري: (٥ / ٢٨٩) .
(٢) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ كتاب الشهادات: (٥ / ٢٨٩ـ٢٩٠)
(٣) فتح الباري: (٥ / ٢٩٠) .
(٤) المرجع السابق نفسه.
(٥) تاج العروس في شرح القاموس: مادة "وعد"
(٦) وقد أطلنا النفس في رسالتنا الدكتوراه: مبدأ الرضا في العقود: (٢ / ١٠٣٢ وما بعدها) وكذلك فعل الأستاذ الجليل الشيخ القرضاوي في كتابه القيم: بيع المرابحة للآمر بالشراء (ص ٨٧ـ١٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>