للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفشاء السر في الشريعة الإسلامية

للدكتور: محمد سليمان الأشقر

خبير بالموسوعة الفقهية – وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية

السر واحد الأسرار، وهو ما يكتم، والسريرة مثله، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: ٩] ، أي يوم القيامة تختبر الأسرار وتعرف، وهي ما يسر في القلوب من النيات والاعتقادات وغيرها، فيعرف الحسن منها من القبيح.

وتقول: أسررت إلى فلان إسراراً، وساررته سراراً: إذا أعلمته بسرك، وأسرار الكف: الخطوط بباطنها.

وفي قوله تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧] ، السر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر ما حدث به المرء نفسه وأخطره بباله من غير أن يخبر به أحداً، وهذا من السر أيضاً، إلا أنه أشد الأسرار خفاء.

وإفشاء السر: نشره وإظهاره، نقيض الحفظ والكتمان، وكل شيء انتشر فقد فشا، ومنه فشو الحبر في الورق الرقيق، وفشت الأنعام ترعى: انتشرت، ولذا تسمى السائمة: فاشية.

صور من الكتمان والإفشاء في الكتاب والسنة وآثار الصالحين:

- جاء في سورة التحريم: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: ٣-٤] .

والمتظاهرتان عليه في الآية هما أما المؤمنين عائشة وحفصة أسر إلى إحداهما أنه حرم على نفسه العسل، وقيل: إنه حرم على نفسه جاريته مارية، فأفشت سره إلى الأخرى (١) ، فأنزل الله تعالى الآيتين وجعل إفشاءهما لسر رسوله جرماً ينبغي المسارعة إلى التوبة منه، وهكذا أدبهما الله تعالى بهذا الأدب الجم فأحسن تأديبهما.


(١) أصل القصة في البخاري المظالم ب ٢٥، ك النكاح ب ٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>