الأولى بالعاقل أن يكون سره وعلانيته سواء، فلا يفعل في غيبة الناس ما يسوءه أن يطلع عليه الناس؛ لأنه وإن غاب عنهم فإن الله عليه شهيد، ولا يضمر في قلبه لأحد من المسلمين ضغينة تحمله على أن يسيء القول، وأن يعلم أن سره ما دام بين حنايا صدره فهو أمير نفسه، فإن أطلع غيره على سره خرج الخيار من يده وأصبح الخيار لغيره.
وإن لم يكن له بد أن يُحَمِّلَ أحداً سره، فلا يبثه إلى كل أحد، فإنه كما قيل:(لسان العاقل في قلبه، وقلب الأحمق في فمه) .
فيختار من يحمله سره اختياراً، بأن يكون عاقلاً ثقة أميناً، وليكن شخصاً واحداً إن أمكن لا أكثر، فإن انتشر السر عرف أن الذي نشره هو صاحبه هذا بعينه، فإن كانوا أكثر ضاع سره، كما قال الشاعر:
وسرك ما كان عند امرئ
وسر الثلاثة غير الخفي
بين حفظ السر وستر العورة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء:((اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)) ، وعنه أنه قال:((من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)) رواه الشيخان.
وقال للمنافقين:((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)) (١) .
والعورة ما يستقبح ظهوره للناس، حسياً كان كالعورة المغلظة والتشوهات الخلقية، أو معنوياً كسيئ الأفعال والأقوال والأخلاق، ثم إن كانوا يجهلونه منك فهو سر وعورة، وإن كانوا يعلمونه فهو عورة وليس بسر، وقد لا يكون السر عورة، وإن كان صاحبه يكره إظهاره؛ كصدقة السر وصلاة السر.
(١) رواه أبو داود بإسناد جيد، وللترمذي نحوه من حديث ابن عمر وحسنه، (الإحياء وتخريج أحاديثه للعراقي ٥/ ١٠٠١)