للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأضرار التي قد يسببها إفشاء الأسرار مختلفة، فمنها:

أ- الأضرار النفسية والمعنوية:

وذلك إن كان السر عورة يسترها أخوك على نفسه، من إثم ارتكبه، أو فعل شائن زلت قدمه فأقدم عليه، ثم استتر بستر الله تعالى، فإن كشفته عنه آلمته ألماً شديداً، فاستاء وحزن، وقد تسقط شهادته، وقد تسقط بذلك كرامته، ويجفوه بعض من كان يألفه، ويحقره من كان يعظمه، وقد يفسد ذلك ما بينه وبين أهله، فيكون في ذلك تحطيم الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية.

وقال الحليمي: في هتك ستر أصحاب القروف تخفيف أمر الفاحشة على قلب من يشاع فيه؛ لأنه ربما كان يخشى أن يعرف أمره، فلا يرجع إلى ما قارفه أو يستتر منه. فإذا هتك ستره اجترأ وأقدم، واتخذ ما وقع منه عادة يعسر بعدها عليه النزع عنها، وهذا إضرار به (١)

وقد نهى الله تعالى عن التجسس: وهو تتبع ما يخفيه الناس من أمورهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه: ((إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) (٢) . قال بعض السلف: (كلمة سمعها معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها) ، يعني استقام له شأن خلافته مع الناس.

ب- الأضرار البدنية:

فقد يلزمه بكشف سره حد أو عقوبة.

ج- الأضرار المهنية:

فإن المتعاملين مع أصحاب الصنائع كالطبيب والمحامي، إذا شعروا بأن أسرارهم في خطر، يحجمون عن التعامل معهم، أو لا يطلعونهم بالقدر الكافي على ما يريدون الاطلاع عليه لينجحوا في مهماتهم، وبذلك يفقدون وتفقد المهنة ككل نسبة كبيرة من فرص النجاح، وهكذا المهن الأخرى، حتى السائق والخادم إذا كان حافظاً للأسرار التي يطلع عليها تزيد الثقة به، فإن كان عكس ذلك فقد نسبة كبيرة من فرص العمل، وخسر غالباً ما بيده منها.

د- الأضرار المالية:

فربما أفقده إفشاء السر فرصة كسب ينتظره، أو مصلحة خطط لتحصيلها، وكم يكسب أصحاب الصناعات من الحقائق التي اكتشفوها فأدرَّت عليهم الأموال الطائلة، واعتبروها أسراراً مملوكة لهم، فهم يستثمرونها وينعمون بخيراتها، ويحرصون عليها كما يحرص كل منا على ما ينفعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله)) .

وربما أدى كشف أسرار الناس المالية إلى تسلط اللصوص وأشباه اللصوص حتى يعود الغني فقيراً، وتَؤُول الثروات التي جمعت بالكدح الدؤوب، والعمل الشريف، إلى الأيدي الظالمة، تعبث بها يميناً وشمالاً.

وربما لزمته بكشف سره غرامات وتكاليف مالية كان عنها في عافية.

وربما أفقده فضح السر منصباً يكتسب به رزقه.

وكم قد ثلت الفضائح عروشاً، وأوهنت حكومات، وأتلفت أمماً.


(١) الحليمي: المنهاج في شعب الإيمان ٣/ ٣٦٢
(٢) رواه أبو داود بسند صحيح (تخريج أحاديث الإحياء: ٥/ ١٠٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>