للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فرق القرآن بين العامل والمخطئ بقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .

وهكذا تتنوع المسؤولية الجنائية وتتعدد درجاتها بحسب تنوع العصيان وتعدد درجاته.

علة ارتفاع المسؤولية الجنائية:

بينا فيما سبق أن المسؤولية الجنائية تقوم على أسس ثلاثة وهي:

١- إتيان فعل محرم.

٢- أن يكون الفاعل مختاراً.

٣- أن يكون الفاعل مدركاً.

فإذا توفرت هذه الأسس الثلاثة توفرت المسؤولية الجنائية، وإذا انعدم أحدها لم يعاقب الجانب على فعله، على أن عدم العقاب لا يرجع في كل الحالات إلى سبب واحد بعينه، فإذا لم يكن الفعل محرماً فلا مسؤولية إطلاقاً؛ لأن الفعل غير محرم، والمسؤولية لا تكون قبل كل شيء إلا عن فعل محرم، وإذا كان الفعل محرماً، ولكن الفاعل فاقد الإدراك أو الاختيار، فالمسؤولية الجنائية قائمة، ولكن العقاب يرتفع عن الفاعل لفقدانه الإدراك أو الاختيار.

أسباب الإباحة:

الأصل في الشريعة الإسلامية أن الأفعال المحرمة محظورة على الكافة بصفة عامة، لكن الشارع رأى استثناء من هذا الأصل أن يبيح بعض الأفعال المحرمة لمن توفرت فيهم صفات خاصة؛ لأن ظروف الأفراد أو ظروف الجماعة تقتضي هذه الإباحة، ولأن هؤلاء الذين تباح لهم الأفعال المحرمة يأتونها في الواقع لتحقيق غرض أو أكثر من أغراض الشارع.

فالجرح محرم على الكافة، ولكن لما كانت حياة الإنسان أو راحته قد تتوقف على عملية جراحية، فقد أبيح للطبيب بصفة خاصة جرح المريض لإنقاذه من آلامه أو لإنقاذ حياته، لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولأن الشريعة تحض على التداوي من الأمراض وتوجب على المرء أن لا يلقي بنفسه إلى التهلكة، فإحداث الجرح يحقق من أغراض الشارع دفع الضرر والتداوي من المرض، وإنقاذ النفس من الهلكة.

وإذا كان الفعل المحرم قد أبيح لتحقيق مصلحة معينة، فقد وجب منطقياً أن لا يؤتى الفعل المحرم إلا لتحقيق المصلحة التي أبيح من أجلها، فإن ارتكب الفعل بغرض آخر فهو جريمة، فالطبيب الذي يجرح مريضاً بقصد علاجه يؤدي واجباً كلف به، فعمله مباح، ولكنه إذا جرح المريض بقصد قتله فهو قاتل وعمله جريمة. (١)


(١) التشريع الجنائي في الإسلام، عبد القادر عودة، القانون الجنائي، علي بدوي، ص ٤٠٠. شرح قانون العقوبات، للدكتورين: كامل موسى والسعيد مصطفى ص ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>