للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في هذه المسألة أن الشريعة الإسلامية تقرر دائماً الأعمال بالنيات، وتجعل لكل امرئ نصيباً من نيته، وهذا يتمثل في قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (١)

والنية محلها القلب ومعناها القصد، وتطبيقاً لقاعدة اقتران الأعمال بالنيات، لا تنظر الشريعة للجناية وحدها عندما تقرر مسؤولية الجاني، وإنما تنظر إلى الجناية أولاً وإلى قصد الجاني ثانياً، وعلى هذا الأساس ترتب مسؤولية الجاني، (٢) والمعاصي التي يمكن أن تنسب للإنسان المدرك المختار فيسأل عنها جنائياً لا تخرج عن نوعين:

أولاً- نوع يأتيه الإنسان وهو ينوي إتيانه ويقصد عصيان الشارع.

ثانياً- نوع يأتيه الإنسان وهو ينوي إتيانه ولا يقصد عصيان الشارع، أو لا ينوي إتيانه لا يقصد العصيان، ولكن الفعل يقع بتقصيره أو بتسببه.

فالنوع الأول: هو ما يتعمده قلب الإنسان.

والنوع الثاني: هو ما يخطئ به.

ولما كانت الشريعة الإسلامية تقرن الأعمال بالنيات كما قلنا، فقد فرقت في المسؤولية الجنائية بين ما يتعمد الجاني إتيانه وبين ما يقع من الجاني نتيجة خطئه؛ إذ جعلت مسؤولية الجاني العامد مغلظة ومسؤولية الجانب المخطئ مخففة، وعلة التغليظ على العامد أنه يتعمد العصيان بفعله وقلبه، فجريمته متكاملة.

وعلة التخفيف على المخطئ أن العصيان لا يخطر بقلبه وإن تلبس بفعله فجريمته غير متكاملة.


(١) حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري في أول صحيحه (١/٢) في باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، طبع دار الشعب. وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه (٣/١٥١٥) في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية) . وأخرجه الإمام أحمد في المسند (١/٢٢٧ و٢٨٥) طبع دار المعارف بالقاهرة. وأخرجه أبو داود في سننه كتاب الطلاق (٢/٣٥٢) مطبعة السعادة ١٣٦٩ هـ. وابن ماجة في سننه: كتاب الزهد، باب النية (٢/١٤١٢) طبع عيسى البابي الحلبي ١٣٧٢ هـ. والترمذي في سننه (١/٣١٠) طبع بولاق ١٢٩٢هـ. والنسائي (١/٢٤) الطبعة الميمنية ١٣١٢هـ ومالك في الموطأ (ص ٤٠٣) رواية محمد بن الحسن الشيباني، طبع الهندسة ١٣٢٨ هـ. والبغوي في مصابيح السنة (١/٣) طبع بولاق ١٢٩٤هـ. وجامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي، وهو شرح على الأربعين النووية (١/١٠) طبع الأهرام بالقاهرة.
(٢) إعلام الموقعين (٣/١٠١ - ١٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>