للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق رفع المسؤولية:

قد يحصل الضرر بفعل أو تسبب، ولكن ترتفع المسؤولية عن الفاعل أو المتسبب فلا يحكم عليه بضمان التلف، فإذا لم يحكم عليه بالضمان، فذلك هو المقصود من رفع المسؤولية.

ونستطيع أخذاً من الفروع الفقهية أن نعد من طريق رفع المسؤولية التلف الحاصل بسريان العملية الجراحية، التي وقعت معتادة، ولم يهمل الطبيب علاجها.

ويعلل الفقهاء ذلك بأن الهلاك ليس بمقارن للعمل، وإنما هو بالسراية بعد تسلم العمل، والتحرز عنها غير ممكن، لأن السراية تبنى على قوة الطباع وضعفها في تحمل الألم، وما هو كذلك مجهول، والاحتراز عن المجهول غير متصور، فلم يمكن التقييد بالمصلح من العمل، لئلا يتقاعد الناس عنه مع مسيس الحاجة إليه. (١)

كذلك نستطيع أن نعد من طرق رفع المسؤولية: رضاء المجني عليه، أو وليه إن كان قاصراً، ذلك أن الصلة بين الطبيب والمريض تحكمها أحكام عقد الإيجار. ومعلوم أن قيام العقد، يستلزم توافق إرادتين: إرادة الطبيب، وإرادة المريض أو وليه.

هذا مع التنبيه إلى أن الفقهاء، لم يقصروا عدم المسؤولية على الرضا فحسب، بل نصوا على أن عدم المسؤولية منوط بالإذن إذا كان العمل معتاداً، ولم يجاوز الطبيب الرسم المتبع في أعماله. أي أن تكون أعماله موافقة للقواعد الطبية التي تتبع في كل حادثة على حدتها. (٢)

وإذا قد قطعنا هذه المرحلة من الفصل، فلنشرع بالكلام في التفصيل على مسؤولية الطبيب في الفقه الإسلامي، فنقول:

اعلم –علمت الخير- أن الطب ذلك العمل الإنساني الخطير، قد ينتحله بعض من لا يحسنه، وقد يقوم به من لا يرقب في الله خشية ولا ذمة، ومن لا خلاق له من دين أو خلق.

ومن أجل ذلك بين الفقه الإسلامي الأحكام الصارمة الرادعة لمن يزاوله وهو لا يتقنه، ومن لا يرعى فيه الحقوق الإنسانية حق رعايتها.


(١) الهداية والعناية (٧/٢٠٦) ؛ وشرح الزهار في فقه الزيدية (٣/٢٨٣) .
(٢) المغني لابن قدامة (٦/١٢٠ – ١٢١) ؛ والشرح الكبير (٦/١٢٤) ؛ والمهذب (٢/٣٠٦) ؛ وبداية المجتهد (٢/١٩٤) ، وبدائع الصنائع (٧/٣٠٥) ؛ ونهاية المحتاج (٨/٢) ومواهب الجليل (٦/٣٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>