وقال اللخمي:(لا فرق بين التأويل وعدمه، وإن على المانع الدية في الحالين) . اهـ.
هذه هي عبارة المالكية، وهي تدل على المقصود للدلالة، التي لا يبقى بعدها مجال لسائل في أمثال هذه المسائل.
فالطبيب بحكم مهنته قادر على المواساة، وقادر على إنقاذ المريض بالعملية الجراحية، التي لا يحتمل المقام فيها انتظار ولي الأمر، ليؤخذ منه الإذن، فيجب عليه المواساة بما يقدر عليه من جبر كسر، أو وصل جرح بخيط أو غيره.
موازنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:
تكاد تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية في اعتبار التطبيب عملاً مباحاً كما تتفق معها في الشروط التي تمنع من المسؤولية، فتستلزم أن يكون الفاعل طبيباً، وأن يأتي الفعل بقصد العلاج وبحسن نية، وأن يعمل طبقاً للأصول الفنية، وأن يأذن له المريض في الفعل، ذلك بأن التعرض لأجسام المرضى ولو بإجراء عمليات جراحية مهما بلغت جسامتها من الأفعال التي تدخل تحت أحكام قانون العقوبات الخاصة بالضرب وإحداث الجروح.
فهي في أصلها أفعال محظورة، لكن المشرع قد خول للأطباء بالقوانين التي وضعها، حق التعرض لأجسام الغير، ولو بإجراء عمليات جراحية، لأن الأعمال الطبية والجراحية وإن مست بمادة الجسم، إلا أنها لم تحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون بالعقاب، بل هي تؤدي لصيانة الجسم والمحافظة عليه.
وقد قيد المشرع حق إباحة ذلك بقيود يمكن حصرها فيما يلي:
١- أن يكون القائم بإجراء ذلك الفعل قد رخص له القانون بفعله، فإذا لم يكن مرخصاً له في الفعل كان مسؤولاً، سواء تحقق الغرض الذي قصده بشفاء المجني عليه أم لم يتحقق.
٢- رضاء المريض، أو وليه إذا كان المريض غير أهل أو غير قادر على التعبير عن إرادته.
والذهاب إلى الدكتور بقصد العلاج يعتبر إذناً ضمنياً بإجراء العلاج في رأي البعض، ويرى آخرون أنه لابد من الحصول على الرضا الصريح.
٣- قصد العلاج بالفعل، ولا يتحقق إلا بحسن النية الذي هو شرط لازم لكل حالات استعمال الحق، فإذا قصد الطبيب مجرد تجربة لإشباع شهوة علمية، أو بقصد منع النسل لمصلحة يتوخاها، فإن العمل يكون غير مشروع، ولو كان برضاء المجني عليه؛ لأن سلامة جسم الإنسان لا يباح المساس بها إلا بفائدة الإنسان نفسه.