قال أبو محمد: قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢] .
وقال سبحانه:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤] .
فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى، فينظر، فإن قامت بينة أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها براء ولا توقف، وأنها مهلكة ولابد، ولا دواء لها إلا القطع، فلا شيء على القاطع، وقد أحسن، لأنه دواء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمداواة.
وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الألم، قاطعاً به عن صلاته ومصالح أموره، فهذا تعاون على البر والتقوى.
قال أبو محمد: فمن داوى أخاه المسلم، كما أمره الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد أحسن، قال تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١] .
وأما إذا كان يرجى للأكلة برء أو توقف، وكان الضرس يتوقف أحياناً، ولا يقطع شغله عن صلاته ومصالح أموره، فعلى القاطع والقالع القود، لأنه حينئذ متعد، وقد أمر الله تعالى بالقصاص في القود) (١)
ومثل هذا أو أصرح منه، كلمة ذكرها شراح مختصر خليل عند قوله:(وترك مواساة وجبت بخيط ونحوه لجائفة) .
يعني: إذا جرح الإنسان جرحاً يخشى منه الموت، سواء أكان جائفة أفضت لجوفه، أم غير جائفة، واقتضى الحال خياطته بفتلة خيط أو حرير، وجب على من كان معه ذلك، إذا كان مستغنياً عنه حالاً أو مآلاً، أو كان معه الإبرة، وكان مواساة المجروح بذلك، فإن ترك مواساته بما ذكر ومات، فإنه يضمن، ومحل الضمان ما لم يكن المجروح منفوذ المقاتل، وإلا فلا ضمان بترك المواساة، وإنما يلزم الأدب بتركها.
ويضمن دية الخطأ، إن تأول في المنع، وتكون على عاقلته، والمانع واحد منهم، وإن لم يتأول في المنع، بل منع عمداً قاصداً قتله، اقتص منه، وهذه هي الطريقة المعتمدة.