والآن وقد جاوزنا بك هاتين المرحلتين: إذن الشارع، وإذن المريض، وأريناك أن الطبيب الحاذق، لا يسأل عن الضرر الذي يصيب المريض، ولو مات المريض بسبب العلاج، ما دام المريض قد أذن له بعلاجه، ولم يقع من الطبيب خطأ في هذا العلاج، بل كان الضرر نتيجة لأمر لم يكن في الحسبان.
وأريناك أيضاً أن عمل الطبيب عند الإذن بالعلاج أو عند طلبه يعد واجباً، والواجب لا يتقيد بشرط السلامة، والضمان على الأمين باطل، فقد وجب علينا أن ننتقل بك إلى المرحلة الثالثة، لنبحث عن ذلك في أفق خارج عن هذا الأفق، والله الموفق.
الحالات العاجلة التي لا يمكن فيها انتظار الحصول على إذن المريض:
إن الفقه الإسلامي العظيم، لم يهمل ذلك، فقد عرض له العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه القيم (إعلام الموقعين عن رب العالمين) في مبحث: (جريان العرف مجرى النطق) حيث قال بعد كلام طويل فيما جرى فيه العرف مجرى النطق:
(ومنها لو رأى شاة غيره تموت، فذبحها حفظاً لماليتها عليه، كان ذلك أولى من تركها تذهب ضياعاً، وإن كان من جامدي الفقهاء من يمنع ذلك ويقول: هذا تصرف في ملك الغير، ولم يعلم هذا اليابس أن التصرف في ملك الغير إنما حرمه الله تعالى لما فيه من الإضرار به، وترك التصرف هاهنا هو الإضرار.
ومنها لو استأجر غلاماً فوقعت الأكلة في طرفه، فتيقن أنه إن لم يقطعه سرت إلى نفسه فمات، جاز له قطعه ولا ضمان) (١)
إلى آخر ما ذكره في الفروع في هذا البحث القيم، وكان قد عرض لمثله من قبل الإمام الحافظ الألمعي (أبو محمد) علي بن حزم الظاهري في كتابه القيم (المحلى) فقال ما نصه:
(من قطع يداً فيها أكلة، أو قلع ضرساً وجعة أو متآكلة بغير إذن صاحبها أو بغير إرادته.
(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين (٢/ ٢٢) من الطبعة المنيرية