للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في موضع آخر: (١) والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل (يعني: الدية) أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط (يشق) جرحه، أو الأكلة (الحكة) أن يقطع عضواً يخاف مشيها إليه، أو يفجر له عرقاً، أو الحجام أن يحجمه، أو الكاوي أن يكويه، أو يأمر أبو الصبي وسيد المملوك الحجام أن يختنه، فيموت في شيء من هذا، فلا عقل ولا مأخوذية (مسؤولية) إن حسنت نيته –إن شاء الله تعالى- وذلك أن الطبيب والحجام، إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به. اهـ.

٣- والحنابلة قد ذكروا هذا أو قريباً منه، فقد ذكر ابن قدامة (٢) –عند قول الخرقي: (ولا ضمان على حجام ولا ختان، ولا متطبب إذا عرف منهم حذق الصنعة، ولم تجن أيديهم) .

وجملته: أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به، لم يضمنوا لشرطين:

(أحدهما) أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، ولهم بصارة ومعرفة، لأنه إذا لم يكن كذلك، لم يحل له مباشرة القطع، وإذا قطع مع هذا، كان فعلاً محرماً، فيضمن سرايته، كالقطع ابتداء.

إلى أن قال:

(فصل) : وإن ختن صبياً بغير إذن وليه أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه،، أو من صبي بغير إذن وليه، فسرت جنايته، ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه، وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أذن له، لم يضمن؛ لأنه مأذون فيه شرعاً. اهـ.

على أن بعض الفقهاء ذهب إلى أن الطبيب لا يسأل إلا إذا ارتكب خطأ فاحشاً في عمله، وهو الخطأ الذي لا يمكن أن يقع فيه طبيب آخر. (٣)

وبالجملة: فإن الطبيب إذا راعى حقه في عمله، ثم نتج عن فعله ضرر لحق المريض، ولا يمكن الاحتراز عنه، فلا ضمان عليه، لأن الطبيب إذا كان يستعمل حقه في حدوده المشروعة، فهو يقوم بواجبه في الوقت نفسه، والأصل أن الواجب لا يتقيد بوصف السلامة، وعلله بعض الفقهاء بما عرف في الفقه من أن شرط الضمان على الأمين باطل (٤)


(١) في الأم (٦/١٦٨)
(٢) المغني لابن قدامة (٦/١٢٠، ١٢١)
(٣) حاشية الطحاوي (٤/٢٧٦)
(٤) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٤/ ٢٥ - ٢٧) ؛ وبداية المجتهد (٢/ ١٩٤) ؛ وبدائع الصنائع (٧/ ٣٠٥) ؛ وحاشية الطحاوي (٤/ ٢٧٦) ؛ وزاد المعاد (٤/ ١٣٩) ؛ والطب النبوي (ص ٣٥) كلاهما لابن القيم، وطبع بلاد الشام

<<  <  ج: ص:  >  >>