للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما رأي الشريعة الإسلامية في ظل {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ} ؟ هل هناك حدود معينة للسرية أم أنها مطلقة؟.

وفي المبدأ الإسلامي درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهناك من يقول: إن الكذب الأبيض مباح خاصة في العلاقات الزوجية لضمان استمرارها. ولكن الإمام الغزالي قال: ليس كل مفسدة تترتب على الصدق يستباح بها الكذب، وليس كل مصلحة محمودة تتوقف على الكذب تبيحه؛ فإنه ما من كاذب إلا ويرى أن في كذبه مصلحة له أو درء مفسدة عنه أو عن غيره، والنبي صلى الله عليه وسلم أخرج كلامه مخرج الحصر عندما قال: ((إن الكذب لا يحل إلا في ثلاث)) ((المجالس أمانة إلا ثلاثة: مجلس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق)) فتح الباري بشرح صحيح البخاري.

أيضاً العلماء استثنوا من الغيبة أموراً ستة، قالوا: إنها جائزة، أخذاً من نصوص أخرى أو من قواعد شرعية، فإذا جاء من يستنصحني في أن يزوج ابنته لفلان قد أقول له: لا تزوجه إذا لم يكن صالحاً، إذا جاء من يريد أن يتاجر مع فلان أقول له: لا تتاجر معه؛ لأنه غير صالح أو غير قادر على أن يتعامل في مجال التجارة، فالنصوص في الشريعة الإسلامية يجب أن تؤخذ ككل، فكما أن هناك نصوصاً قدسية للتحريم هناك نصوص قدسية للاستثناء. (١)

قال ابن حجر الهيتمي: الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط كما في الإحياء أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح وإن كان واجباً وجب، كما لو رأى معصوماً اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه فالكذب هنا واجب، أو سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب الإنكار، وإن كذب، بل إن استحلفه لزمه الحلف ويوري وإلا ضمن ولزمته الكفارة، ولو سأل سلطان عن فاحشة وقعت منه سراً كزنى أو شرب خمر فله أن يكذب ويقول: ما فعلت، وله أن ينكر سر أخيه. ثم قال: ينبغي أن يقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق أشد فله الكذب، وإن كان العكس حرم الكذب. (٢)


(١) بحث الدكتور عمر سليمان الأشقر في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية عام ١٤٠٧ هـ الموافق ١٩٨٧م، ص ٦٣.
(٢) بحث الدكتور محمد سليمان الأشقر في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية عام ١٤٠٧ هـ الموافق ١٩٨٧م، ص ٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>