إن الغرض من الطب، كما دل عليه الاستقراء، أحد أمرين هما: حفظ الصحة، وإزالة المرض.. والعلاج الناجع في الحالين بسلوك الوسيلة المناسبة، وقديماً قالوا: حفظ الصحة يكون بمثلها، وإزالة المرض يكون بعكسه. ومفاد هذه المقولة أن الصحة لا تدوم إلا بالاستمرار في سلوك المناهج القويمة الملائمة للطبيعة غير المنافرة للفطرة، والمرض لا يزول إلا بمقاومته بالأسباب المضادة له؛ لأنها يغلب فيها مخالفة ما يعتاده الإنسان حال الصحة والسلامة ...
والمراد مما تقدم أن هذين الأمرين (حفظ الصحة وإزالة المرض) يتطلبان الأخذ بكثير من الوسائل الطارئة على مألوف الإنسان، وتطبيق جملة من المبادئ التي يتحقق بمراعاتها استدامة الصحة واتقاء المرض أو درؤه بعد الوقوع.
على أن الصحة والمرض ليسا من خصائص الأجسام العضوية وحدها، بل هما مما يطرأ على النفوس والأرواح أيضاً، انطلاقاً من أن الإنسان ليس جثة ناطقة فحسب، بل هو نفس عاقلة. والتشريع الإلهي يربأ بالإنسان أن تنحصر همته في استدامة الحياة للحواس والأعضاء ولو كان صاحبها (ميت الأحياء) ذلك أن من وراء الضرر المادي: أضراراً تلحق بالدين باعتباره وضعاً إلهياً ينظم محتواها بالغايات الرفيعة، أو تعتري النفس العاقلة السوية التي يفلح من زكاها ويخيب من دساها، أو تخل بالتعايش الاجتماعي بين الإنسان وأخيه من بني آدم الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً.