للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورعاية هذه الأسس استوجبت إرساء الشريعة العديد من المبادئ التي تتناول بالإضافة إلى مشروعية التطبيب والعلاج، تنظيم إجراءاته وملابساته ورسم السبل المثلى لتصرفات الطبيب المداوي، والمريض الشاكي، لتحقيق الهدف من خلال الوسائل السليمة ضمن إطار التعاليم الإسلامية، وهذه أبرز معالم الطب الإسلامي، كيلا يكون دفع الضرر عشوائياً، على نمط الاستجارة من الرمضاء اللافحة بالنار الحارقة.. ولا يخفى أن إضفاء المشروعية على أصل فكرة التطبيب والعلاج لا يستلزم إطلاق العنان لمتطلبات ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية كما اهتمت بالمقاصد والأهداف جاءت بتنظيم الوسائل والأسباب، فإن اختيار الوسيلة السليمة من شأنه تمام الغرض واكتمال الثمرة. وذلك للوصول إلى ما ترجح فيه المصالح على المضار، فإن المصالح المحضة نادرة جداً كما قرر المعنيون بالاستنباط من علماء الشريعة، ولذا اكتفي برجحان المصالح في أمر على ما يكتنفه من مضار، كما روعي أثر الوسائل في زوال المصلحة، بأن يؤول إلى أن ما يستهدف بها من منافع يصير كالمضار الخالصة أو أشد.

ولا يختلف المراد بكلمة (مبادئ) هنا عن مقتضى الاستعمال في مختلف العلوم ولا سيما الاستعمال الحقوقي الأقرب في الطبيعة إلى الفقه واستعمالاته.. إلا أن كلمة (مبدأ Principal) يؤثر عليها علماء الشريعة كلمة (قاعدة) فهي المتداولة للدلالة على المعنى نفسه فيما يشمل معظم القضايا الجزئية في موضع ما، ويحمل الطابع الكلي في الصياغة، وهي ثمرة صياغة جماعية تعاقب عليها التطوير والصقل، واكتسبت مزايا التقعيد والدقة والإحكام. وهي لما تتسم به من الإيجاز والسعة تشبه جوامع الكلم، بالرغم من أسلوبها العلمي المفتقر إلى المقومات الأدبية.

على أن هذه المبادئ أو القواعد ليست دائماً مطردة، بل هي في بعض الأحيان أغلبية، لا تنفك عن استثناء محدد من شأنه عصمة القاعدة من الاضطراب والتردد..

وينبئ عن أهمية هذه القواعد اعتبار العلامة القرافي إياها من قبيل أصول الشريعة، حيث قسم تلك الأصول إلى (أصول الفقه) أي العلم المعروف، وإلى (القواعد الكلية الفقهية) ، وبين أن الإحاطة بهذه القواعد توضح مناهج التعرف إلى الأحكام وتغني عن حفظ جزئيات لا حصر لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>