والمضرة بعمومها تشمل ما كان شدة في البدن، ويفيد هذا المبدأ أن المضار مما طلبت الشريعة طلباً جازماً الكف عن فعلها، ولم يرد فيها نص يخصها. وأن ما سلف من مستندات للمبدأ السابق تتناول من طرف خفي هذا المبدأ، فضلاً عن اقتضائه بالعقل السليم المجرد عن الشوائب.
على أن هذين المبدأين (أصالة إباحة المنافع – وأصالة تحريم المضار) رغم استمدادهما الشرعي لا يرقيان إلى معارضة الأدلة والقواعد الشرعية العامة؛ ما كان منها خاصاً في الموطن المخصوص، أو عاماً يتناول جميع أفراده.. وفضلاً عن ذلك لا بد من التزام التوصيف الدقيق للضرر والنفع بأن يتولى الشارع نفسه بيان ذلك، فيكون حكمه هو الفصل، أو تراعى قواعد المصالح والمفاسد القائمة على استهداف ما كان النفع أو الضر فيه خالصاً، أو هو الغالب الراجح، ولا عبرة بالنفع المغمور المغلوب في جنب الضرر الغالب، كما لا عبرة بالطارئ المؤقت في إزاء الثابت. وتأمل هذه الأشياء والنظائر ينمي مقدرة البت في المسكوت عنه مما المآل فيه إلى الاستنباط الدقيق، وسؤال أهل الذكر أهل الاختصاص كل منهم في مجال خبرته.
قال العلامة القرافي: إن الموجودات في هذا العالم قسمان: الأول حرام لصفته، وهو ما اشتمل على مفسدة تناسب التحريم (أو الكراهة) والثاني مباح لصفته، وهو ما اشتمل على مصلحة، أو كان ليس فيه مفسدة ولا مصلحة، وهو قليل، فلا يكاد يوجد شيء إلا فيه مصلحة أو مفسدة.
تجنب المضار وإزالتها
مقتضى المبدأ السابق أن المضار متناولة بالموقف العام للمنع، تحت طائلة الإثم والعقاب، سواء كان الضرر بالمبادرة أم على سبيل الانعكاس، وقد تجلى ذلك بإحدى جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وهي قوله:((لا ضرر ولا ضرار)) ؛ و (الضرر) حصول الأذى أو المفسدة ابتداء، و (الضرار) حصوله على سبيل الجزاء ورد الفعل. وقد استمد من هذا الحديث، في ظل قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٦٥] أكثر من مبدأ شرعي، وهي إذا روعيت مجتمعة كانت نبراساً في الممارسة الصحيحة لإجراءات التطبيب والعلاج لتوفير الطمأنينة من الإثم الذي يحيك في النفس، ولتحاشي المسؤولية وموجبات الضمان إذا لم تستخدم موازين العدل.
وتشتمل هذه القاعدة على جملة من المبادئ مكونة من نوعين: وقائي وعلاجي.