الجانب العلاجي
العودة إلى الفطرة الأصلية
إذا حل الضرر، في غيبة الضمانات المقامة سدوداً دون وقوعه، فإن الإجراء المطلوب حينئذ إيجابي فعال من شأنه تصحيح ما نزل من انحراف عن الطبيعة برفع الضرر وإزالته، وهو مفاد المبدأ القائل:
(الضرر يزال) :
أي الشأن فيه أن ينحى عمن أصابه، ولا يعتبر حصوله وضعاً طبيعياً وأمراً واقعاً مهما تقادم أو تضاعف أثره، ولا ذريعة للمتواكلين المدعين الركون للمقادير، وهي كما تجري بما لا يعرفه الإنسان إلا بعد حصوله، فإن بقاءها كذلك لا يحكم له باللزوم والثبات إلا بعد المحاولة والأخذ بالأسباب، وإذا كان المرض (أو الضرر عامة) أمرا مقدوراً فإن الشفاء والمعاناة هو من قدر الله، وبذلك أجاب عمر رضي الله عنه من تردد في تجنب البيئة الموبوءة: نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وتعبيراً عن بقاء (الضرر) دخيلاً جاء المبدأ القائل:
(الضرر لا يكون قديماً) أي: لا يحظى بحصانة ولا يكتسب استيطاناً مهما تطاول زمانه؛ بل يظل مزلزل الأركان، مضطرب الجنان، يهدده نداء الرحيل؛ لأنه (لا تبديل لفطرة الله) .
وللمبدأ الأساسي (إزالة الضرر) هالة تحف به من المبادئ التي يتم بها تنظير كامل له يتناول في آن واحد رسم الوسائل وتحديد المقاصد، منها:
(الضرر لا يزال بمثله) وبعبارة أخرى تقدم البديل: (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) وأسلوب آخر:
(يختار أهون الشرين) ، وتحديد الشرية والخيرية ليس بالهوى بل ضابطه:
(إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما) والتحديد:
(يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) ، وبكلمة جامعة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) .
وهذه المبادئ الغنية عن التطويل بشرحها توحي بالخطوات التي ينبغي سلوكها في مجال التطبيب والعلاج؛ بأن لا يطغى خوف الخطر الماثل في الداء على استشعار الخطر الكامن في الدواء، إذا كانت كفة هذا راجحة على ذلك.
والمحظورات، على ما في بعضها من ملاذ أو أرباح موقوتة أو فردية، جديرة بالمنع، ولو أهدرت به المصالح الجزئية، ومن هنا نشأ حكم الشريعة (وما وافق منهجها) بالحجر على الطبيب الجاهل بأصول الصنعة، والحيلولة بينه وبين فوائد المزاولة النافعة له شخصياً، لما في ذلك من حفظ المصالح العامة ودرء المفاسد المتوقعة.
وهو كذلك مناط الفصل في مسائل العلاج بوسائل هي في الأصل محرمة، أو التداوي ببعض المحرمات إذا تعين ذلك سبيلاً لإزالة الضرر.