بالرغم من أن التصور الوافي لهذه القضية تكفل به المختصون فيما قدم من بحوث علمية، فإنه لابد من إعادة التعريف بصورة موجزة ليمكن الربط بين الواقعة وحكمها.
فالاستنساخ أو النسخ يريد به المختصون محاولة تقديم كائن أو خلية أو جزيء يمكنه التكاثر عن غير التلقيح ومن غير نقص أو إضافة للمحتوى الوراثي.
هذا التصرف إن كان في مجال الحيوان، وبالأولى في النبات، فإنه لون من ألوان التنمية والتثمير لما سخره الله للإنسان وفسح له فيه سبل التصرف مما ليس فيه تعذيب ولا تبديل عابث للخلقة، ومن وجوه التحكم هذه صورة كانت في عهد التشريع الأول وشملها حكم التقرير والمشروعية؛ لأن التصرف في الحيوان والنبات هو تصرف في المال بما يزيده ويجوده، فقد امتن الله على الناس بوجود الخيل والبغال، مع أن هذه الأخيرة نتيجة تلاقح مستجلب فيه مخالفة النوع، كما ورد الحث على التمكين من عسب الفحل واستنجاب الأعراق، وليس هذا من الخلق أو الإبداع في شيء، فهو سلوك لأسباب مادية يحدث عنها من النتائج ما قدره الله، والكون كله مسخر للإنسان، وقد هداه الله لتدبير وجوه الانتفاع به وتوفير خيراته.
أما بالنسبة للإنسان فإن قضية النسب المعدودة إحدى الكليات الخمس الموصى بصيانتها فهي إحدى الضوابط الجوهرية التي تعصم من اقتحام المخاطر غير المحصورة والعصية عن السيطرة.
كما تخفى خطورة النظر إلى الإنسان كأنه مما يتخذ للتكاثر فيه بما يشبه التمول، كأنه من السلع الخاضعة للتنمية، وكذلك خطورة المساس بالعلاقة المتينة التي أوجدها الله في الزواج ليكون من آثاره حصول الأولاد وانتسابهم.
فالإقدام على تطبيق الاستنساخ في الإنسان لا ينفك عن الوقوع في تجهيل الأنساب وانقطاع التناسل الذي ناط الله به القرابة بأنواعها، وقد تناول الحظر صوراً عديدة تؤدي لجهالة النسب أو لإدخال التنازع فيه، فمما حرمه الله:
- نفي الأنساب الثابتة، سواء كان النفي من نفس المحمول عليه النسب إذا كان لا يعلم قادحاً في النسب، لكنه نفاه باطلاً وزوراً، وهو ما كان معروفاً في الجاهلية باسم (الخلع) بفتح الخاء.
وكذلك إذا كان النفي من غيره، وما هو يستوجب عقوبة القذف من الحدود الشرعية المنصوص عليها {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤] .