للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمر الحال كذلك إلى أن أبان النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحديد مسؤولية الأطباء وإيضاح الفرق بين العالم بالطب والجاهل به. جاء في حديث هام جدا، ويعتبر أساساً قيماً في تحديد مسؤولية الأطباء، حيث روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن)) (١) وبناء على هذا الحديث أجمع أهل العلم أن من تطبب وهو جاهل فهو مسؤول مسؤولية كاملة جنائياً ومدنياً عن فعله. وهذا المبدأ الإسلامي المنبثق من الحديث الشريف هو الذي دفع كثيراً من الفقهاء بالحجر على المتطبب الجاهل ومنعه من مزاولة الطب؛ لما في ذلك من خطورة على الناس، واعتبروا هذا المنع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢) كما جاء في مذهب الحنابلة أن مزاولة الطب من غير حاذق في فنه يعتبر فعلاً محرماً (٣) وما أجمل قول القاضي برهان الدين إبراهيم بن فرحون المالكي في كتابه (تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام) عند كلامه على ضمان الصناع والأطباء، قال: وإن كان الخاتن غير معروف بالختن والإصابة فيه وعرض نفسه، فهو ضامن لجميع ما وضعنا في ماله، ولا تحمل العاقلة من ذلك شيئاً. وعليه من الإمام العدل العقوبة الموجعة بضرب ظهره وإطالة سجنه. وهذا المبدأ نفسه هو الذي دفع الخليفة العباسي المقتدر بأن يأمر طبيبه سنان بن ثابت بن قرة الحراني أن يمتحن أطباء بغداد في وقته، وأن يمنح من يرضاه في علمه وعمله إجازة لما يصلح أن يتصرف فيه من الطب، وأمر الخليفة محتسبه أن يراعي ذلك، فلا يأذن في العلاج إلا لمن يحمل إجازة من سنان الذي توفي سنة ٣٣١ هـ. (٤)

وفيما ذكر دلالة واضحة إلى إرساء قواعد التخصص والمسؤولية في مهنة الطب في الدول الإسلامية منذ ذلك الزمان السالف، وعليه لا يكون محل خلاف من أحد أن التسرع لا يؤيد فقط بل يوجب إصدار مثل هذه اللوائح التي تنظم كيفية ممارسة الطب وقصرها على المؤهلين المقتدرين ممن درسوا وتمرنوا حتى يسلم أفراد الأمة من الوقوع في الهلكة.


(١) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. وانظر حاشية الرملي على شرح الروض في فروع الشافعية: ٤/١٦٦
(٢) الدرر شرح الغرر: ٢/٦٢٨
(٣) المغني لابن قدامة: ٦/١٢٠
(٤) إخبار العلماء بأخبار الحكماء: للقفطي، طبعة الخانجي ص ١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>